[معنى قول المؤلف:(فقد علم الله المعصية من آدم قبل أن يخلقه)]
قال:[فقد علم الله عز وجل المعصية من آدم قبل أن يخلقه، ونهاه عن أكل الشجرة، وقد علم أنه سيأكلها]، أي: أن الله عز وجل علم علماً أزلياً قبل أن يخلق آدم أن آدم سيأكل من الشجرة، وبعد علم الله عز وجل خلق آدم، وبعد خلقه نهاه أن يأكل من الشجرة، والله تعالى يعلم أزلاً أنه سيأكل منها بغواية الشيطان له.
قال:[وخلق إبليس لمعصيته -أي: أن الله خلق إبليس من أجل أن يعصيه- ولمخالفته فيما أمره به من السجود لآدم]، ومعنى ذلك: أن الله تعالى خلق إبليس وهو يعلم أنه إذا أمره بالسجود لآدم فإنه لن يسجد، كما علم أن آدم لن يمتثل الأمر بل سيقع في النهي، قال:[وقد علم أنه لا يسجد، فكان ما علم ولم يكن ما أمر]، أي: فكان من الله ما علم ولم يكن منه ما أمر، فهو أمر بالسجود لآدم ونهى عن الأكل من الشجرة، فخالف إبليس الأمر، وخالف آدم النهي، والله تعالى يعلم هذه المخالفة، ومع هذا أمر، فالذي كان من الله عز وجل الأمر والنهي، والذي وقع على آدم هو النهي، والذي وقع على إبليس هو الأمر، فخالف إبليس في الأمر وارتكب آدم النهي.
وهذا النهي الذي وقع فيه آدم والأمر الذي خالفه إبليس كان في علم الله تعالى الأزلي أنهما لا يمتثلان.
قال:[فكان ما علم ولم يكن ما أمر، وكذلك خلق فرعون وهو يعلم أنه يدعي الربوبية ويفسد في البلاد ويهلك العباد، وأرسل إليه موسى يأمره بالتوحيد لله والإقرار له بالعبودية، وهو يعلم أنه لا يقبل].
وهذا في ميزان البشر، فإذا كان هو يعلم أنه لن يقبل فلماذا يبعثه؟ من أجل أن يقيم عليه الحجة، فلا تظن أن الله عز وجل يظلم عباده أبداً:{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}[يونس:٤٤]، وقال:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، فالله تعالى أرسل إليك الرسول، وأنزل معه الكتاب، ومنحك العقل الذي هو مناط التكليف، فماذا تريد بعد ذلك؟ الآن -ولله المثل الأعلى- عندما يقول لك أبوك: أنا أأكلك وأشربك وأصرف عليك وأعطيك دروساً خصوصية، لكن لابد أن تكون النتيجة آخر السنة مرضية، فأنت على مدار السنة تكون مرعوباً إن لم تأت بالنتيجة المرضية، وتعمل جاهداً على أن تحقق أعلى نسبة نجاح ترضي الوالد، والله تعالى أحق بالرضى، فهو الذي ربى جميع الخلائق وقام على شئونهم، وهو الذي خلقهم وسواهم وعدلهم، أفلا يستحق بأن يُرضى؟! وغير ذلك فوق الطعام والشراب والمسكن والمأوى مما لا يملكه إلا الله، فقد أرسل إليك الرسل من أجل أن يبين لك طريق الهداية من الغواية، وأنزل معهم الكتب التي فيها هدى ونور أو كلها هدى ونور، ومنحك العقل لتميز بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الجنة والنار، بين الطاعة والمعصية؛ وتعلم ذلك يقيناً من نفسك.