[الإجماع على كفر من سب الله أو رسوله]
ومن المقطوع به أيضاً عند أهل السنة: أن من الأقوال والأعمال ما هو كفر أكبر يخرج من الملة، وقد حكى غير واحد الإجماع على أن سب الله ورسوله كفر مخرج من الملة، ومن هؤلاء الإمام إسحاق بن راهويه، ومحمد بن سحنون وغيرهما، وقد ظن بعض الناس أن الكفر العملي لا يخرج صاحبه من الإسلام، وأن سب الله ورسوله مستثنى من ذلك، ولا دليل على هذا الاستثناء.
فلو قلت: سب الله يعتبر عملاً، وسب الرسول عمل، قالوا: الكفر العملي لا يخرج به صاحبه من الملة، وسب الله؟ قالوا: إلا سب الله ورسوله فهذا مستثنى.
إذاً: ما تقولون في سب الشريعة أكفر أم إيمان؟ كفر، فسيضطرون أن يزيدوا هذا في الاستثناء؛ لأنه لا ضابط لهذا الاستثناء، ومنهم من يقول: الضابط في تكفير العامل بعمله أن يتعلق أو تتعلق المسألة التي خالف فيها بمسائل الإيمان.
لكن ذكرنا لهم أن بعض مسائل الإيمان لو خالف فيها العامد لا يكفر بذلك، فلابد أن تضطرب هذه القاعدة، إذاً فما هو الضابط؟ لابد أن يكون هناك ضابط جامع مانع حتى يستقيم الأمر؟ الضابط: نص أو إجماع؛ لأن الأمر لا يستقيم إلا بهذا، فإما أن يأتي النص فيقول: هذا العمل من الإيمان، وأن تارك هذا العمل كافر بالله، وإما أن ينعقد إجماع العلماء على أن من فعل كذا كفر، فإذا كان عندي نص أو إجماع حلت القضية، لكن شخص يجتهد ويقول: إذا كانت المسألة من مسائل الإيمان وفرط فيها العامل فإنه يكفر بذلك! فيرد عليه: هناك من مسائل الإيمان ما إذا فرط فيها العامل لا يكفر، ومن مسائل العمل ما إذا فرط فيها العامل كفر بذلك.
إذاً: تقسيم الكفر إلى: كفر اعتقادي وكفر عملي، وأن العملي لا يكفر به العامل لأنه من مسائل العمل، كلام غير سليم؛ لأن من الأعمال ما يكفر بها العامل.
قال: فظن بعض الناس أن الكفر العملي لا يخرج صاحبه من الإسلام، وأن سب الله ورسوله مستثنى من ذلك، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، بل حكى غير واحد الإجماع على أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ومن هؤلاء: ابن حزم، والشيخ سليمان آل الشيخ، وعبد الله أبا بطين، والشيخ محمد بن إبراهيم مفتي السعودية، فسقطت دعوى الاستثناء.
ومن فرق بين سب الله أو رسوله وبين أي قول أو عمل أجمع المسلمون على أنه كفر كالذبح لغير الله، فقد أخطأ.
والذبح لغير الله عمل، فهل هذا العمل في ذاته كفر أم لا؟ كفر؛ لأنه قربة لغير الله عز وجل، وأن هذا العمل لا يجوز صرفه إلى الناس، كذلك: الطواف حول الكعبة عبادة وطاعة وقربة، لكن حول القبر شرك وكفر، لكن هل هذا الطواف قول أم عمل؟ عمل، فلو طاف إنسان حول غير بيت الله، وقصد بذلك الطواف القربة، فإنه يكفر بذلك، لكن لو أن رجلاً طاف بعمود يبحث عن حذائه، فهل تقول له: أنت طفت بغير بيت الله فتكفر بذلك؟! لا، فالطواف حول غير بيت الله لابد أن يكون بقصد القربة، والذي يطوف حول البدوي والحسين والسيدة وغيرهم، إنما يفعل ذلك قربة وطاعة، ولذلك الطواف حول غير بيت الله كفر مع أنه من الأعمال.
والنذر لغير الله تعالى كفر، كأن يقول أحدهم: يا حسين لو نجَّحت ابني فسيكون لك في ذمتي مائة جنيه! وكذلك السجود لصنم، إذ إن السجود عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تعالى، فلو أن إنساناً سجد لصنم فإنه يكفر بذلك، بشرط أن يكون عارفاً وعالماً بما يفعل، فلو أنني الآن سجدت وجاء شخص وأنا ساجد وواضع أمامي صنماً، فهل أكفر بذلك؟ لا أكفر بذلك، إلا إذا ذهبت راضياً مختاراً مع علمي أن هذا صنم وسجدت له، فهنا يكفر به الفاعل في هذه الحالة.
فإن كان هناك صنم قائم، وأردت أن أصلي لله تعالى، فوافق سجودي محاذاة هذا الصنم وأنا لا أعلم أنه صنم، وربما ما علمت ذلك بعد الفراغ من الصلاة، فهل يكفر بهذا العمل؟
الجواب
لا يكفر؛ لأن هناك مانعاً من موانع الكفر وهو الجهل، إذ إنه لما صلى إلى هذا الصنم لم يكن يعلم أنه صنم.
قال: فلا يظن ظان أن في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، إذ لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحد من علماء أهل السنة والجماعة خلاف ذلك، وزعم بعض الناس أنه لا يكفر إلا من اعتقد الكفر، أما من تلفظ به أو عمل ما هو كفر صراحة فلا يكفر، إذ الكفر عنده هو الاعتقاد فقط، وهذا مذهب المرجئة كما تعلمون، إذ إنهم يستدلون بتقسيم بعض العلماء للكفر إلى: كفر عملي واعتقادي، وأن الأول كفر أصغر، والثاني كفر أكبر، دون تفريق بين الكفر العملي الذي يعنيه العلماء، والكفر بالعمل أو الأعمال المكفرة.