قال:[اعلموا رحمنا الله وإياكم أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم، ودوام الإشفاق على إيمانهم، وشدة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب]، أي: أن قلوب المؤمنين العابدين خائفة دائماً من أن يسلبهم الله عز وجل هذا الإيمان؛ لأن قلب العبد بين يدي الله عز وجل يصرفه كيف شاء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:(اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على ديني، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك)، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حقق كمال الإيمان وتمامه، ومع هذا ما كان يأمن على نفسه، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كانوا في قمة الإيمان، ومع هذا كانوا يخافون على أنفسهم النفاق، ولا يأمنون مكر الله عز وجل، مع ثبوت البشرى بالجنة في حقهم وخاصة العشرة المبشرين.
قال: [قد أحاط بهم الوجل لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمالهم، حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم حين يقول:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢].
خائفين من حلول مكر الله بهم في سوء الخاتمة، لا يدرون على ما يصبحون ويمسون، قد أورثهم ما حذرهم تبارك وتعالى الوجل في كل قدم حين يقول:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان:٣٤]]، أي: هل تكسب في إيمانها إيماناً أو كفراً، [فهم بالحال التي وصفهم بها عز وجل حيث يقول:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون:٦٠]]، فهل هذا الإتيان الذي أتوه من خير أو شر؟ ولذلك لما تلت [عائشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قالت:(يا رسول الله! هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: لا، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق وهو يخاف ألا يقبل منه)]؛ لأن العبرة في العمل بالقبول لا بمجرد الإسلام أو الاستسلام المجرد.
حتى النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل).