قال:[وقال أحمد بن سنان: إذا جاور الرجل صاحب بدعة أرى له أن يبيع داره إن أمكنه ذلك].
أي: إذا كنت مجاوراً لرجل من أهل البدع فأحب إلى الله عز وجل أن تهجر هذا المكان، وهذا كان شأن أهل العلم حتى في مجرد المعصية لا في البدع والضلالة الكبرى فقط.
وقد جاء عن أحمد بن حنبل رحمه الله: أنه كان إذا دعي إلى عرس أو غيره فذهب فوجد معصية لله عز وجل ترك المكان وانصرف، وهذا في مجرد المعصية التي ربما لا تضر بصاحبها كثيراً مقارنة بأصول الابتداع في الدين، فإن هذا أمر شنيع أيما شناعة؛ لأن صاحب المعصية يفعلها ويعلم أنها معصية، وهو إلى التوبة أسرع، بخلاف صاحب الهوى والابتداع في الدين؛ فإنه يعتقد أنه على الحق، ولذلك يزداد صلابة وقوة وتمسكاً لبدعته، وقل أن يرجع إلا إذا وفق لرجل من أهل السنة يأخذ بيديه بعد طول عناء، فربما يوفق للتوبة وربما لا يوفق، والغالب أن أصحاب البدع لا يوفقون إلى التوبة، ولذلك جاء عند ابن ماجه وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)، أي: أن المطلوب أن يدع البدعة أولاً، ثم بعد ذلك يتقبل الله عز وجل منه، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:١٧]، فهم يتخيرون ويسلكون طريق الهداية أولاً، والله تعالى بعد ذلك يوفقهم إذا علم منهم حسن نيتهم، وتوجههم الصحيح إليه.
وقول أحمد بن سنان هذا شبيه بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم، وذلك في معرض كلامه عن حرمة مشابهة أهل الكتاب، فقال: ويقرب منهم أهل البدع.
أي: لما تكلم عن حرمة بيع الدور والمحلات وغيرها للنصارى؛ قال: وجه الحرمة أنه يرفع شعار الكفر عليها، أي: يضع الصليب على باب البيت، أو يضع صورة اليسوع، أو صورة مريم رحمها الله، وهذا فيه إظهار لشعائر الكفر، ولذلك حرم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم أن يتعامل المسلم مع الكفار في أن يبيع له داراً، أو يمكنه من إظهار شعار الكفر.