[نصيحة عبد الله بن مسعود لأمة محمد بلزوم الجماعة وتقوى الله والصبر]
[عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: عليكم بتقوى الله وهذه الجماعة]، أي: جماعة الإمام الذي هو الخليفة، فعند إطلاق لفظ الجماعة في المصطلحات الشرعية، إنما يقصد بها جماعة الخليفة، فإذا لم يكن للمسلمين إمام ولا خليفة فيكون أئمة المسلمين علماءهم.
قال: [فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة أبداً، وعليكم بالصبر].
أرأيت إلى الكلام الجميل؟ هذا الكلام والله دواء لما نحن فيه من داء، ولذلك هذه النصوص الشرعية لا تريد شخصاً يقرأ الكتاب بسرعة من أوله إلى آخره باسم أنه قرأ الكتاب فحسب، بل لابد أن تقف عند كل حرف خرج من في النبي عليه الصلاة والسلام قرآناً كان أو سنة، حتى تأخذ العبر وتعرف الأحكام، وتتخلق بأخلاق القرآن وأخلاق السنة النبوية.
هذا حديث لـ أبي مسعود.
يقول: (عليكم بتقوى الله)؛ لأنها رأس الأمر، قال: (وهذه الجماعة).
أي: الزموا جماعة الإمام وجماعة الخير ولا تخرجوا عليهم؛ لأنه لا يحل لأحد أن يخرج على جماعة الإمام، فمن خرج على إمامه مقدار شبر فمات على هذه الحال فميتته جاهلية، وفي الدرس الأول نبهت وقلت: لا يتصور شخص أن هذا الحديث يتنزل على الجماعات الموجودة على الساحة أبداً، هذا الحديث وغيره مما يتكلم عن جماعة المسلمين، إنما يتكلم عن جماعة الإمام الأعظم الخليفة.
قال: (عليكم بتقوى الله وهذه الجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة أبداً، وعليكم بالصبر)، ولماذا الصبر؟ أليس معي تقوى الله ومعي الجماعة، فلم أصبر؟ مع أن أهل الجماعة مجمعون على أن الصبر لا يلزم الجماعة؛ وذلك لأنها جماعة قوية، وتستطيع أن تفتك بغيرها من جماعات وتكتلات الكفر، فلم أصبر إذاً؟ الصبر هنا في حالة عدم وجود الإمام، كما في حديث حذيفة بن اليمان أنهم قالوا: (فإن لم يكن لهم يا رسول الله! جماعة ولا إمام؟)، ماذا نعمل حينئذ؟ قال أبو مسعود: [وعليكم بالصبر حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر].
أي: إذا تولى عليكم أحد وكان فاجراً فعليكم بالصبر، ومآله إما أن تستريح بإيمانك، وإما أن يريحك الله من فاجر.
وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (مستريح ومستراح منه.
قالوا: يا رسول الله! ما مستريح وما مستراح منه؟ قال: إن العبد المؤمن إذا مات استراح من الدنيا ونصبها وتعبها، وإن العبد الفاجر إذا مات استراح منه البلاد والعباد والشجر والدواب)، فليس هناك أمر ثالث، هما أمران فقط، فالمطلوب مني الصبر، بدلاً من أن تدخل معه في معركة، ونهاية هذه المعركة خسران، هذا هو الواقع، وليس الواقع فحسب، بل هذا اعتقادنا من واقع دراستنا لأهل الكفر، ولو لم يكن في الأمر نص وارد، لكفانا الواقع المر الذي تمر به الأمة.
فالصبر في حال الضعف من أعظم العبادات لله عز وجل، أما إذا كنت في حال القوة فالجهاد من أعظم العبادات التي يتقرب بها المرء إلى مولاه؛ رفعاً لراية التوحيد وكلمة الله عز وجل.