[الصفاتية]
إذاً: الدرجة الأولى: النفاة الغالية، والدرجة الثانية هم المعتزلة الجهمية، أي: المعتزلة الذين أشربوا منهج الجهمية، وأصل الرد على هذه الطائفة من بين الطوائف الثلاث.
أما الدرجة الثالثة فهم الصفاتية، وهم: المثبتون المخالفون للجهمية، وكلمة (المثبتون) عند الإطلاق تعني: أنهم يثبتون الأسماء والصفات في الجملة، والنفاة: هم الذين يعطلون الأسماء والصفات كذلك في الجملة، فهؤلاء هم الصفاتية، والصفاتية تعني: أنهم يثبتون الصفات في الجملة، وهم بذلك مخالفون للجهمية وللمعتزلة الجهمية.
قال: لكن هذه الدرجة فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من الأسماء والصفات الخبرية أو غير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها.
يعني: يقولون: نحن نثبت الصفات، فنقول: يد الله فوق أيديهم، لكن المراد باليد: القوة، فهم أثبتوا الصفة لكنهم أولوها، وهذا التأويل باطل.
وإذا كان بعض الشر أهون من بعض، فهل هؤلاء الصفاتية الذين يثبتون الصفات ويؤولونها على غير ظاهرها المراد منها أقرب إلى الحق أم النفاة الذين لا يثبتون أسماء ولا صفات؟ وللتقريب نقول: هل الذي يموت كافراً كفراً بواحاً لم يدخل في الإسلام قط يكون كالشيعي أو القدري يوم القيامة مع أن كليهما شر؟
الجواب
بعض الشر أهون من بعض، والذي لا يصدق كلامي هذا يقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية الفرقان بين الحق والباطل، فقد قال: لأن يموت الرجل جهمياً أو قدرياً أو شيعياً أو مرجئاً أو أشعرياً خير له من أن يأتي ربه كافراً كفراً بواحاً لم يدخل الإسلام.
هذا قول الإمام ابن تيمية شيخ الصحوة منذ زمانه، وإن شاء الله تعالى يكتب له ذلك إلى يوم القيامة.
والعجيب أن ابن تيمية رجل واحد في الأمة، وهو الذي يقود الأمة الآن إلى قيام الساعة، أو إلى وقتنا هذا على الأقل، فأي شخص من الناس إذا التزم بحث عن كلام ابن تيمية وابن القيم، وكأن الله تعالى لم يخلق علماء قبله؛ لأن العلماء قبله كانوا مصنفين ومؤصلين ومقعدين لهذه المسائل التي أخذها ابن تيمية وفهمها فهماً جيداً موافقاً لمنهج السلف، فنشرها هنا وهناك بالقول والعمل، وكان مجاهداً حقاً؛ إذ لا خلاف في شجاعته وجهاده الأعداء المبطلين في الداخل والخارج في ذلك الوقت؛ ولذلك كتب له القبول، وربما يكون سر هذا القبول الإخلاص، فكم من عالم جليل عنده من العلم ما ليس عند غيره ولم يكتب له شيء من ذلك.
إذاً: هؤلاء يثبتون الصفات لكن يؤولونها, ويحلو لنا أن نقول: إن هؤلاء من طرف خفي هم الأشاعرة، والماتريدية، فهم يثبتون الأسماء ويثبتون الصفات، لكن يقولون: ليس المراد من الصفة ظاهرها وإنما لا بد من التأويل، وابن تيمية عليه رحمة الله يقول: وهؤلاء هم أقرب الناس لأهل السنة.
ولا يعني ذلك: أنهم أهل سنة، لا والله بل هم أهل بدعة، بدليل أنهم درجة من درجات الجهمية، لكننا إذا قارناهم بالنسبة للمعتزلة الجهمية لكانوا هم أقرب الناس إلى الحق، لكن لا يعني هذا: أنهم أصابوا الحق، بل هم بعيدون عن الحق، لكنهم بالنسبة لغيرهم من أهل النفي الأصلي الكلي أو الاعتزال التجهمي هم أقرب الناس إلى الحق، ولم يصيبوا الحق بعد، فهم الصفاتية الذين يثبتون الصفات، فبلا شك أن الذي يثبت الصفة ويؤولها خير من الذي لا يثبتها، وكلاهما شر، وهذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)، لكن لا يمكن أن يستوي الخيران، فكذلك هنا: كلاهما شر لكن شتان بين المثبت والنافي، والذي نفى نفى بزعمه تنزيهاً لله عز وجل، والذي أول الصفة قال: قال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠]، هل الله له يد؟ أستغفر الله، لا.
اليد: هي القوة؛ لأننا نثبت لله القوة، والطرف الآخر يقول: ليس الله تعالى بسميع ولا عليم ولا حي ولا قادر ولا قوي، فينفون الاسم والصفة في آن واحد، فكأنهم في نهاية الأمر يذهبون إلى أن الله عدم، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً! فالله تعالى ذات، ولا بد لكل ذات من صفات، حتى هذه الورقة التي بين يدي، إذا أردنا أن نصفها نقول: مستطيلة وبيضاء، وفيها كلام مكتوب بالأزرق، ورقة جديدة أو ورقة قديمة، فهذه كلها صفات لهذه الذات، فكل ذات لها صفات، وهذا أمر مستقر في عقول العقلاء أنه لا يمكن أن يكون هناك ذات إلا بصفات، فالعجيب أن الجهمية الغالية ينازعون في أن الله تعالى ذات، والذي يقول منهم: له ذات يقول: له ذات بلا صفات، وإذا أثبتنا الصفات فإنما نثبتها على سبيل المجاز لا الحقيقة، وهو في حقيقة الأمر إلحاد وزندقة؛ لأنه يلزمهم أن يقولوا: إن الله تعالى ليس متصفاً بصفات على الحقيقة، إذاً: هو ذات عدمية، ولا يمكن أن يكون هناك شيء اسمه ذات عدمية، فلا بد أن يقولوا في نهاية قولهم: إن الله تعالى عدم، خلافاً للمغالين في الإثبات أو في التشبيه أو ف