[ذكر بعض الآيات التي توجب طاعة الرسول وتقرنها بطاعة الله تعالى]
ثم قال: [وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:٣٢]] أي: فإن تولوا عن طاعتك يا محمد، فهذا التولي إما أن يكون كفراً اعتقادياً مخرجاً من الملة، وإما أن يكون كفراً عملياً، لكنه على أية حال فهو في الجملة نوع كفر.
ثم قال: [وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥]] ينفي الله تبارك وتعالى في هذه الآية الإيمان عمن لم يقبل حكم النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يرض به ولم يسلم له تسليماً، قال:((فَلا وَرَبِّكَ)) يبدأ الآية بالقسم، ((لا يُؤْمِنُونَ))، نفي للإيمان، ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ)) أي: حتى يقبلوا تحكيمك يا محمد في كل المنازعات والخصومات التي تنشأ بينهم، ((ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ)) يعني: يرضون بحكمك تمام الرضا، حتى لا يحيك في نفس أحد منهم مما قضيت وحكمت شيء، إنما يخرج من عندك بهذا القضاء الذي قضيت به راضياً بما قضيت، ثم يسلموا لك الأمر تسليماً؛ لأنك المبين عن الله عز وجل وأنت رسوله الكريم.
وقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[النساء:٨٠]] كأن الله عز وجل يسلي نبيه بقوله: من أطاعك يا محمد فهو منك وأنت منه، لا بد من عقد الولاء بينك وبينه، أما من عصاك وتولى عنك ولم يرض بحكمك، فإن الحرب تنتقل إلى الله عز وجل، هو الذي يتولى أمرها:{وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[النساء:٨٠].
يعني: هذا فيه نوع من المعنى الذي قال الله عز وجل: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:١٥ - ١٦]، فالذي يتولى الكيد لهؤلاء الكائدين هو الله عز وجل، ومن ذا الذي يفلح إذا كاد الله عز وجل له، فالحرب تنتقل مباشرة بين هؤلاء وبين النبي عليه الصلاة والسلام إلى حرب بينهم وبين المولى عز وجل، فهو الذي يتولاهم.