[أحاديث الضحاك بن قيس والمقداد في تقلب المرء في دينه أثناء الفتن]
قال: [وعن الحسن: أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم: سلام عليك! أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، فتناً كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع قوم خلاقهم -أي: حظههم من الآخرة- ودينهم بعرض من الدنيا).
وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياناً)].
قلب ابن آدم أسرع في تقلبه من القدر إذا وضعت على النار فوصلت درجة الغليان، فانظروا إلى الذي بداخل القدر من تقلب واختلاف، فكذلك قلب ابن آدم، بل أسرع في تقلبه من القدر إذا استجمعت غلياناً.
قال: [وقال: (إن السعيد لمن جنب الفتن، يرددها ثلاثاً)].
وهذا الكلام لا يخرج إلا من النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: لا يصلح أن يكون إلا كلام نبوة: (إن السعيد لمن جنب الفتن)، أي: السعيد حقاً هو الذي يتجنب الفتنة، أو أن الله تعالى يلهمه أن يتجنب هذه الفتنة، أو يبعده عنها، هذا هو السعيد حقاً، ردد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.
قال: [وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن المقداد بن الأسود الكندي قال: جاءنا المقداد لحاجة فقلنا: اجلس عافاك الله حتى نطلب لك حاجتك، فجلس ثم قال: العجب من قوم مررت بهم آنفاً يتمنون الفتنة، يزعمون ليبلينهم الله فيها ما أبلى رسوله وأصحابه].
وهذا دائماً أيها الإخوة! هو ما تحدثنا به أنفسنا، نقول: نحن لو كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام لنصرناه وعزرناه وأيدناه.
أولاً: ماذا ستفعل مما فعل الصحابة؟ ولو أن الله تعالى علم فيك خيراً لجعلك من أهل ذلك القرن، فنحن لم نر النبي عليه الصلاة والسلام، لكننا آمنا به، وإيماننا يحتاج إلى إيمان آخر، وتصديقنا للنبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى تصديق؛ لأننا نأخذ من الدين ما وافق أهواءنا وأفئدتنا وأمزجتنا، هذا لا يصدق أن يكون من مؤمن إلى قيام الساعة، فضلاً أن تتمنى أن تكون من أهل القرن الأول، وأن تكون من أصحابه رضي الله عنهم.
فقال المقداد: (عجبت لقوم مررت بهم الآن قبل أن آتيكم يتمنون الفتنة؛ يزعمون أنهم لو وقعوا في الفتنة لأبلوا فيها بلاء حسناً كما أبلى النبي وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين).
قال: [والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن السعيد لمن جنب الفتن ثلاثاً، ولمن ابتلي فصبر فواها، لايم الله لا أشهد على واحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم بما يموت عليه، لحديث سمعته من النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياً)].