ويقول كذلك الإمام الهروي في كتابه منازل السائرين: إن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل طائر وكاسر، ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف، وهذه طريقة أبي سليمان وغيره.
قال: وينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد.
وقال أيضاً: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف.
أي: أكمل أحوال العبد أن يكون الخوف والرجاء عنده معتدلين؛ لأن تغليب جانب الرجاء يؤدي إلى التفريط في حق الله، وتغليب جانب الخوف يؤدي إلى اليأس من رحمة الله عز وجل.
قال: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه سبحانه وتعالى.
وهناك كلام كثير جداً في الخوف والرجاء بإمكانك أن تطلع في أي كتاب من كتب الاعتقاد المشروحة أو غير المشروحة، والنصوص كثيرة في هذا الباب، وإنما أردنا التنبيه على أصل أصيل من أصول أهل السنة والجماعة، وهذا هو منهج أهل السنة، أن الإيمان فلا يصلح أن يكون خوفاً فقط، كما لا يصلح أن يكون رجاءً فقط، بل الإيمان خوف ورجاء، ولا بأس أن يزداد الخوف في حالة الصحة شيئاً يسيراً على الرجاء ليحمل المرء على العمل، ولا بأس أن يزداد الرجاء في حال المرض والقدوم على الله، حتى يلقى العبد ربه وهو حسن الظن به، لكن على أية حال أكمل أحوال السائر إلى الله عز وجل اعتدال جناحي الخوف والرجاء، خوف يؤدي به إلى العمل أو يحمله على مزيد العمل، ورجاء لا يقنطه من رحمة الله عز وجل.
إذاً: خوف لا يقنطه ولا يجعله يترك العمل، ويقول: علام العمل إذاً؟ إذا كان الله تعالى قد أعد ناراً فيها كيت وكيت من أنواع العذاب، إذاً فلم العمل؟! أنا من أهل النار، وداخل النار لا محالة! نقول: من الذي أخبرك بأنك من أهل النار ابتداء؟ فربما تكون من أهل الجنة، ثم من الذي أخبرك بأنك من أهل الجنة؟ فربما تكون من أهل النار، فإذا اختار المرء بين المنزلتين عمل لأفضلهما وأشرفهما، وهي جنة عرضها السماوات والأرض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.