[نداء للعودة إلى الإسلام وإلى التمسك بتعاليمه وشرعه]
ولا سبيل إلى التمكين والنصر، والسيادة على الأمم كلها إلا بالتمسك بدين الله عز وجل وحبله المتين وكتابه القويم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] هل هناك دستور في الأرض كلها يهدي للتي هي أقوم؟ كنا من قبل نقول: هذه الدساتير الوضعية لا تصلح إلا في أرض نبتت فيها هذه القوانين، فلا يصح أن تحكم بلاد المسلمين بقانون فرنسا، ولا بقانون انجلترا، ولا بقانون أمريكا؛ لأن هذه القوانين لا تناسب الفطرة كما قلنا من قبل، وكنا من قبل ندرس هذا الكلام ونلقنه حتى غيرنا هذا المعتقد، وعلمنا أنه لا يصلح فرنسا ولا أمريكا ولا أوروبا ولا العالم كله إلا الإسلام، حتى هذه القوانين التي نبتت في أراض كفرية لا تصلح لهذه الأرض، ولا تصلح لنفس الأراضي، إنما يصلح للعالم كله بره وجوه وبحره الإسلام وتعاليم الإسلام، وبغير الإسلام الناس كلهم في حيرة وضلال كافرهم ومؤمنهم.
فلابد من العودة إلى الإسلام حتى إذا تمسكنا بتعاليمه وشرعه تميزت شخصياتنا، وبالتالي تميز مجتمعنا فكان مجتمعاً له سمات، وله الخصال والصفات التي يتميز بها عن غيره من بقية المجتمعات، أما بهذا الوضع فلا يمكن إطلاقاً، ونحن دائماً نقول هذا الكلام وندندن حوله، ونتمنى لو أننا انتبهنا إليه، لكن القضية -يا إخواني- أن بعضكم يتصور باعتباره أتى إلى المسجد، وصلى صلاة الفرض وزكى وحج واعتمر أنه قد أدى ما عليه، وليس هذا هو دين الله عز وجل؛ ولذلك علماؤنا كثيراً ما يقولون: من وقف على حقيقة الإسلام علم أنه في واد والإسلام في واد آخر.
إذاً: الذي يصلي ويصوم ويزكي ويحج لم يعلم بعد حقيقة الإسلام؛ لأن الإسلام أعمق من ذلك بكثير، وهذا أشبه بإنسان لا فهم له، لكنه إذا سمع النداء ذهب إلى المسجد، وإذا أتى رمضان أخرج زكاة ماله؛ لأنها قد وجبت، وإذا أتى موسم الحج انطلق إلى المسجد الحرام، لكنه لا يعرف من الدين أكثر من ذلك، وليس في حياته طفرات ولا نقلات، فإذا دعوته إلى الالتزام وفهم المعاني الحقيقية للشرع يقول: أنا الحمد لله حياتي جيدة، هل تدعوني للصلاة؟ أنا أصلي، للصيام؟ أنا أصوم، للزكاة؟ أزكي، وأنا في كل سنة أحج، لكنه يقع في عظائم الأمور ويقع في المنكرات والبوائق؛ لأنه لم يتعلم الحلال والحرام، ولم يتعلم المعاني اللطيفة.
يا إخواني! كتاب الزمخشري وكتاب الزركشي في التفسير رغم اعتزالهما إلا أن الواحد منهم يدندن على مواطن الجمال في كلام الله عز وجل، وأنا لا أنصح بكثرة القراءة فيها حتى لا يقع المرء في سوء المعتقد الذي في هذين الكتابين، وإنما الذي يميز بين الغث والسمين في هذا الباب فيستحب له ينظر حتى يعلو ويزداد إيمانه بمعرفة المعاني الدقيقة، والأسرار النفيسة لكلام الله عز وجل من واقع هذا الكلام، أو من واقع هذه التفاسير.
يأتي مدرس لغة عربية -لا أقول مفسراً- فيفسر الآية لطلاب المدرسة تفسيراً جديداً، فيظهر ما في هذه الآية من إعجاز أو بيان أو فصاحة أو بلاغة يعجز عنها أي إنسان، فإذا ظهر وجه الإعجاز ازددت حباً وشوقاً إلى الاطلاع في كتاب الله عز وجل بالليل والنهار، أما الإنسان الذي يقرأ القرآن من أوله إلى آخره لا يكاد يميز، ولا يعرف حلاله ولا حرامه، فهذا إنسان لم يشعر بعد بجمال الشريعة، ولا بحلاوة الدين، وحلاوة كلام رب العالمين، وكذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
الواحد منا ربما أخذ صحيح البخاري ليرويه، وسرده سرداً فيقرأ كل يوم مائة صفحة أو مائتين، يقرأ في هاتين المائتين خمسمائة حديث، فيقرأ البخاري في أسبوع واحد، لكنه لم يتوقف عند كل حديث ليعلم ما المراد من هذا الحديث، وما هو المطلوب منه، إنما كان غرضه سرد القراءة، كمن يحرص أن يختم القرآن كل ثلاث، فهو لا يتذوق العلم إلا أن يكون قد ذاق حلاوة القرآن من قبل، وعلم أسرار القرآن، فإنه يتذكر حلاوة القرآن طيلة قراءته وسرده للآيات، أما إذا كان لا علاقة له بهذا، ولا ماضي له في أن يبرك عند ركب أهل العلم فيتعلم تمام السنة؛ فإنه لا يظفر بجمال الدين ولا بحلاوة الشريعة، وكم من حديث حفظناه وقرأناه، وإذا سئلنا عنه سردناه، لكننا لا ندري المراد منه، حتى إذا وقعنا في بلاء، وبصرنا طفل من أطفال المسلمين بسؤال عن قوله عليه الصلاة والسلام كيت وكيت وكيت، حينئذ نشعر جداً بحلاوة السنة، وأن فيها النجاة، والتمسك بها عصمة من كل بلاء.
ولعلي ذكرت لكم من قبل قصة وقعت في قريتي: أن رجلاً كان يبني بيتاً، وآخر كان يبني في مقابله بيتاً له، واختلفا على الطريق، وكانا أول من بنى في هذا الشارع، فجاء من يحدد سعة الشارع، فإذا بهما يختلفان، هذا لا يريد أن يترك، وذاك لا يريد أن يترك، فألهمنا الله عز وجل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعاً).
فقلت لهم: يا إخواني! أنتم مستعدون أن تتحاكموا إلى شرع الله وإلى كلام النبي عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: نعم.
فقلت لهم: صح أن النبي