[أثر سلمة بن سعيد (العلماء سرج الأزمنة)]
[وقال سلمة بن سعيد: كان يقال: العلماء سرج الأزمنة].
أي: نور الأزمنة.
[فكل عالم مصباح زمانه، فيه يستضيء أهل عصره، وكان يقال: العلماء تنسخ مكائد الشيطان]، وهو كذلك، إذ إن العالم في قرية ما كالعين التي تنبع بالماء، بل هو أحسن وأجل؛ لأن هذه العين التي تنبع بالماء تغذي أبدانهم وزروعهم وغير ذلك، أما العالم فإنه يغذي العقول والأرواح، ويأخذ بنواصي العباد إلى ربهم تبارك وتعالى.
وكذلك وجود العالم في قرية ما دليل على صلاحية هذه القرية، وعلى خيرية هذه القرية، وذهاب الناس في القرية إلى هذا العالم يستفتونه في أمور دينهم، دليل على خيرية هؤلاء، أما قرية بغير عالم فهي قرية تتخبط في ظلمات الغي والضلالة، وإن الواحد منهم إذا احتاج ليستفتي في مسألة ربما ركب المواصلات الطويلة حتى يجد عالما يفتيه في مسألته؛ لأن القرية ليس فيها عالم، وهي آثمة كلها؛ لأنهم لم يفرغوا من بينهم واحداً يطلب العلم، {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢].
وهنا يجب على كل طائفة من الناس أو قرية أو بلد إذا لم يكن فيها عالم أن يخصصوا رجلاً من أهل النباهة ليتعلم العلم في مكان يظهر فيه العلم، ثم يرجع إليهم عالماً يفتيهم في أمور دينهم وربما دنياهم.
[قال الشيخ ابن بطة: جعلنا الله وإياكم ممن يحيي به الحق والسنن، ويموت به الباطل والبدع، ويستضيء بنور علمه أهل زمانه ويقوي قلوب المؤمنين من إخوانه.
[وعن سلمان أنه قال: لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يعلم الآخر، فإذا هلك الأول قبل أن يعلم الآخر هلك الناس].
بل مثل هذا الكلام ثابت من حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (البركة مع أكابركم، ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن كبارهم، فإذا أخذوه عن صغارهم فقد هلكوا).
وقال ابن المبارك عليه رحمة الله: ليس الصغير صغير السن، وإنما الصغار هم أهل البدع.
أما صغير يؤدي إلى كبير؛ فليس بصغير على الحقيقة، إنما الصغير من انحرف عن الجادة وإن كان كبيراً في السن، والكبير من عرف الحق بأدلته، وعلم الناس وعمل بذلك، فهو الكبير وإن كان حديث السن، ومجلس عمر رضي الله عنه كان مكتظاً بالشباب والكهول، وكان عمر يقول للشباب: لا يحقرنكم حداثة أسنانكم على ألا تشيروا برأيكم.
والنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي سعيد الخدري قال: (ستفتح لكم الأرض، ويأتيكم غلمان يتعلمون العلم، فإذا جاءوكم فعلموهم، والطفوا بهم، ووسعوا لهم في المجالس)، ولذلك كان أبو سعيد إذا أتاه غلام أو غلامان قال: مرحباً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما نراه الآن على شاشات التلفزيون تحت باب الحفاظ على الدين من الداخلين فيه بغير مؤهل، فهذا باطل ومنكر من القول.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه فالعلم يكمن في قال الله قال رسوله، سواء كان قائله أزهرياً أو غير أزهري، حتى ولو كان صاحب حرفة حدادة أو نجارة أو غيرها، والأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم والصحابة والأئمة، وعلماء المسلمين شرقاً وغرباً، لم يتخرجوا من الأزهر، بل جل من تخرج من الأزهر لا يصلح أن يكون داعية لنفسه قبل أن يكون داعية لله عز وجل يدعو الناس، مع إيماننا الجازم بأن الأزهر قد خرَّج رجالاً قل أن تجد في الخلق مثلهم في العلم والعمل والديانة والورع والنسك وغير ذلك، أما جل الأزهريين فإنهم لا يصلحون لأنفسهم قبل أن يصلحوا لغيرهم، وهذه خطوة أو حلقة في سلسلة طويلة مردها ومآلها: القضاء على كتاب الله وسنة رسوله الكريم.