[نقل النووي لكلام ابن الصلاح في معنى الإسلام والإيمان]
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، (والإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)؛ قال: هذا بيان لأصل الإيمان ولزيادة الإيمان وكمال الإيمان وتمام الإيمان إلى آخره.
وأصل الإيمان هو مطلق الإيمان، إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره) وهذا قبل العمل، إذاً: قد توفر فيه أصل الإيمان ومطلق الإيمان.
قال: هذه الشعب الإيمانية بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن، وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين.
وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال انقياده أو اختلاله.
ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات؛ لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات ومتممات وحافظات له، ولهذا فسر صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين، وذلك عندما أتى وفد عبد القيس، وقالوا: (يا رسول الله! إن بيننا وبينك مضر، وإنا لا نأتيك إلا في الأشهر الحرم، فمرنا بأمر نعمل به ونأمر به من وراءنا، قال: آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتؤدي الخمس من المغنم)، وهذه شعائر الإسلام، ومع هذا أطلق عليها هنا الإيمان؛ لأنها لابد أن تكون موجودة ومصاحبة لإقرار القلب.
ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة.
ويفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان؛ لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، نفى الإيمان عن الزاني، وهو نفي للإيمان الواجب الذي يأثم العبد بتركه، ومن سوء ما يخل به، ولو قلت: إن هذا نفي لأصل الإيمان للزمني أن أقول: إن من زنى كفر، وهذا الذي وقع فيه الخوارج وكادت المعتزلة أن تقع فيه، أي: كادت المعتزلة أن تذهب إلى مذهب الخوارج، ولكنهم ذهبوا مذهباً رديئاً أيضاً، وقالوا: هو في منزلة بين المنزلتين، لا نثبت له الإيمان ولا نثبت له الكفر، بل نقول: هو في منزلة بين المنزلتين.
قال: لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو بدل فريضة؛ لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، يعني: لو قلت: فلان مؤمن، فمعناه أنه حقق كمال الإيمان، ولذلك في حديث سعد بن أبي وقاص قال: (يا رسول الله! إنك تعطي فلاناً ولا تعطي فلاناً، وهو مؤمن، فقال عليه النبي عليه الصلاة والسلام: أو مسلم؟)، يعني: يا سعد هذا الرجل يأتي بالشعائر الظاهرة، وعند أن رد النبي صلى الله عليه وسلم على سعد قال له: (أو مسلم) لم يكن يقصد نفي الإيمان المطلق، إنما يقصد نفي كمال الإيمان فيما يتعلق بعلم سعد؛ لأنه لا علم له بذلك، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها حين ينتهبها وهو مؤمن).
إذاً: نفي الإيمان هنا، إنما هو نفي للإيمان الواجب، أما أصل الإيمان فهو باق؛ لأنه لا يتصور أن يقال: إن الزاني كافر، وإن السارق كافر، وإن القاتل كافر؛ لأن هؤلاء مرتكبون للكبائر، ومرتكب الكبيرة ليس كافراً، خلافاً للخوارج.
نكتفي بهذا القدر، ولنا إن شاء الله تكملة بعد ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم