لا يجوز لعن المعين حتى وإن كان كافراً، وقد ذكر الإمام النووي اختلاف أهل العلم في المسألة وقال: لا يدعى عليه إلا إذا مات على الكفر، أي: لا نلعنه إلا إذا مات على الكفر.
وعلى أية حال أليس اللعن هو الطرد من رحمة الله، أو الحكم بالطرد من رحمة الله؟ تصور لو أن شارون دخل علينا في هذا الوقت المسجد وقال: أنا أريد أن أسلم، فماذا نعمل؟ أما نفرح جميعاً بهذا؟ إذ إنها ضربة قاصمة للكفر وأهله، وأعظم منها قصماً أن يدخل علينا مثلاً بابا الفاتيكان ويقول: يا إخواني! أنا أريد أن أسلم، فماذا نعمل؟ أما نفرح بذلك جميعاً؟ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح إذا دخل في الإسلام صنديد من صناديد الكفر، وهو الذي أرسل رسالة إلى هرقل ملك الروم وقال له:(أسلم تسلم)؛ لكن لماذا لم يوجه الرسالة إلى أي جندي من الجنود؟ لأن هذا كبيرهم، ولو أسلم لأسلم من وراءه، والنبي لم يلعنه ولم يسبه، وإنما قال له كما في البخاري:(أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين)، أجرك أنت وأجر الأريسيين، أي: الفلاحين الذين يمشون خلفه، والرهبان الذين يمشون معه، والجند الذين حوله، فأنت لو أسلمت أسلم الكل، وكاد أن يسلم إلى أن جمع البطارقة وقوات الجيش، ووضعهم في بيت في الشام وقال لهم: إن محمداً قد بعث إلي برسالة وقال فيها: كيت وكيت، فما رأيكم في هذا الرجل؟ أنا أرى أنه صادق.
ولذلك العلماء اختلفوا: هل أسلم هرقل أم لم يسلم؟ لأن كلامه هذا يدل على أنه أسلم، لكن هناك كلاماً آخر ناقضاً لهذا الإسلام وهذا الإيمان.
وانظر إلى المكر والخداع، وكيف أن هذه السلطة بلاء ومحنة؟! فقال لهم: ما هو رأيكم في الذي يقوله محمد؟ أما أنا فأرى أن الرجل صادق، وقال لهم: على أية حال هو يضرنا! فلما رأى البطارقة أن هرقل يميل إلى جهة محمد قاموا عليه، قال لهم: كفى كفى، إنما أنا أردت أن أختبركم، يريد أن يخرج من المأزق، أنا أريد أن أختبركم، وهو في الحقيقة لو أنهم شجعوه على الإسلام لأسلم، لكن لما قاموا عليه قومة رجل واحد قال: لا.
فأنا في الحقيقة أريد أن أتأكد من موقفكم، وبقي على الكفر حتى مات عليه.