قال:[إنما يريدون أن يفتنوك، أو يأتوا بشبهة فيضلوك؛ فلا تقعد معهم]، كما قال الله تعالى:{فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:٦٨].
فإذا كانوا هم سعوا في كل واد لفتنة النبي عليه الصلاة والسلام، وفتنة أصحابه الكرام، فكيف بك أنت يا مسكين! ولا علم لك، ولا معرفة لك بأساليب وألاعيب القوم، فأنت من باب أولى خليق وجدير بأن تقع في شباك أهل البدع إذا تعرضت لهم ولم تتأهل لذلك؛ لأنهم يريدون أن يفتنوك، أو يأتوا بشبهة فيضلوك، فقد تذهب لتدفع عنهم شبهة قد بلغتك؛ فإذا بشبه متتابعة متعاقبة يلقونها على مسامعك لم تستعد أنت لها؛ فتؤثر هذه الشبه في قلبك؛ فتكون أنت أحوج الناس إلى إزاحة هذه الشبه من قلبك، فأنت الذي ذهبت لتقيم عليهم الحجة فأوقعوك هم في شراكهم وحبائلهم وشبههم، حتى زعزعوا قواعد الدين الأصلية في قلبك.
ولذا فالمناظرة مع أهل البدع من أخطر ما يمكن، وحذار أن تتصور أنه خذلان أو ضعف أو خوف أو خور أن تعتذر عن لقاء القوم، بل هذا هو عين الاستقامة، فكثير من أئمة السلف مع إمامتهم، ووفرة علمهم لم يسمحوا قط بسماع كلمة واحدة، ولا حرف واحد من أهل البدع، كما قال ابن سيرين: والله لو قرءوا القرآن لم أسمعه منهم، أو تلوا علي حديثاً ما سمعته منهم.
مع أن قراءة القرآن وسماع الحديث لا شيء فيه.
فانظر إلى ابن سيرين وهو إمام أهل البصرة في زمانه، وسيد من سادات التابعين، وتلميذه أنس بن مالك رضي الله عنه، ومع هذا لم يكن يأذن لنفسه قط أن يسمع كلمة واحدة من صاحب بدعة، حتى لو كانت هذه الكلمات آية في كتاب الله، أو حديثاً من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.