[كلام السلف في الدخول على الأمراء والثناء بغير حق وأنه من النفاق العملي]
وفي رواية [عن أبي الشعثاء: قال: قيل لـ ابن عمر: إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره.
فقال: كنا نعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق].
وأنتم تعلمون أن كثيراً من العلماء والمشايخ إنما يدخلون على الأمراء والسلاطين، فيقولون لهم أقوالاً يعلمون أنها خلاف شرع الله عز وجل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ومن اقترب من السلطان افتتن)، فأعظم فتنة في دين المرء ودنياه أن يطرق باب السلطان، إلا أن يكون سلطان ديانة، أي: صاحب دين يحتاج إلى مؤازرة ومساندة أهل العلم من الصالحين والأتقياء الذين يبذلون له النصيحة في الليل والنهار كما كان الأمر في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
[وعن عروة قال: قلت لـ عبد الله بن عمر: إنا لندخل على الأمراء يقضي أحدهم بالقضاء نراه زوراً فنقول: وفقك الله].
أي: يدعون له مع أنهم يعلمون أنه ما نطق إلا بالزور، وهم مع ذلك يدعون له.
[وننظر إلى الرجل منا فنثني عليه، قال: أما نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نعد هذا نفاقاً، فما أدري ما تعدونه أنتم؟!] وهذا كلام يخرج مخرج التقريع والتوبيخ والذم لهذا الفعل؛ لأن هذا كان هو النفاق على عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
[وعن إبراهيم النخعي قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: إنا ندخل على أمرائنا فنزكيهم ونثني عليهم، ثم نخرج من عندهم فنسبهم، قال: كنا نعد ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم النفاق].
[وعن عبد الله قال: إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه ويخرج وما معه من دينه شيء].
يعني: يحل له الحرام، ويحرم عليه الحلال، يرضيه بسخط الله عز وجل، فيخرج وقد تأثر دينه جداً، ولذلك دخل أحد الصالحين في حلقة رجل من أهل العلم، فدخل عليه رسول السلطان فناوله صرة، فأنفقها العالم في الطلاب قبل أن يقوم من مقامه، فقال له ذاك الرجل الصالح: أقبلت هدية السلطان؟ قال: يا فلان! أما رأيت ما قد تصرفت فيها، إني أنفقتها في أهل العلم وطلابه.
قال: أبالله عليك أقلبك على السلطان بعدها كقلبك عليه قبلها؟ قال: لا والله، وأشهدكم أني حمار! هذا كلام العالم، حتى وإن لم يكن صاحب منفعة أو وجاهة، المهم أنه اقترب من السلطان بنوع اقتراب.
أنا أقول: إن الاقتراب كذلك من الأغنياء باب من أبواب الاقتراب من السلاطين، الغني لا يقبل منك إلا ما يوافق هواه وغناه، ويعلم الله عز وجل أن ظفر الأخ الفقير الذي لا يملك ثمن المواصلات إلى حضور مجلس العلم؛ لهو خير عندي من مائة غني، وإني لعلى يقين أن جل الأغنياء لا خير فيهم، إنما الخير كل الخير في الفقراء والمساكين، ولذلك هم أتباع الأنبياء، ليسوا أتباع النبي عليه الصلاة والسلام فقط، فأتباع الأنبياء هم الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، والواحد منهم يبذل روحه قبل أن يبذل ماله في سبيل نصرة دين الله عز وجل، وليس معنى ذلك أن كل الأغنياء لا خير فيهم، بل جلهم لا خير فيهم، وإن الغني إنما يأخذ منك الفتاوى المفصلة على هواه وعلى شهوته، أما أن يقبل دين الله عز وجل كله ويطبقه على نفسه ويذل نفسه للمؤمنين، فهذا لا يكون من الأغنياء إلا في النزر اليسير جداً، إذا كان هذا في الأغنياء الذين لا سلطان لهم ولا وجاهة، ولا يملكون مقدرات الأمور كما يملك السلاطين بإذن الله تعالى، فما بالك بالسلطان الذي يؤذيه أن يسمع أمراً أو نهياً، حلالاً أو حراماً، فهذا بلا شك أمر خطير جداً أن يقترب العالم من السلطان، لابد للعالم -قبل أن يأخذ شيئاً من السلطان ينتفع به في دنياه- أن يعلم أن السلطان يأخذ من دينه أضعاف ما أعطاه من دنياه.
قال: [إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه ويخرج وما معه من دينه شيء.
قيل: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنه يرضيه بما يسخط الله].