[إثبات قدر الله السابق على العبد]
قال: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار)]، أي: إن الرجل ليعمل في الدنيا بعمل أهل الجنة وهو عند الله تعالى أزلاً من أهل النار.
ونحن نرى الآن من الكفار من يعمل عملاً صالحاً، وهذا قد ورد في النصوص، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على عمل بعض الكفار، فقد كانوا يقرون الضيف، ويلقون السلام، ويطيبون الكلام، وغير ذلك من الأعمال الحسنة، وهذا بلا شك من عمل أهل الجنة وهم من أهل النار، وترى بعض الناس يعمل بعمل أهل النار ويعيش على هذا ردحاً من الزمان وفترة من عمره طويلة، ولكن يختم له بالتوبة وعمل الصالحات.
قال: [(فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل النار، فمات فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل الجنة، فمات فدخل الجنة)].
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان له قبل الإسلام أعمال كثيرة جداً، وهي من أعمال أهل الإيمان، فجوزي بها خيراً في الإسلام، وفي الحديث: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا).
وأصدق رجل في الأمة ينطبق عليه هذا الحديث هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي ذلك الوقت كان عمر يعمل بعمل أهل النار مثل وأد البنات، ولكنه تاب بالإسلام فجب الإسلام ما كان منه من معاص وكفر قبل ذلك، وحسن إسلامه فتحولت سيئاته إلى حسنات، فهذا الرجل سبق في علم الله أنه من أهل الجنة وإن كان أحرص الناس على قتل النبي عليه الصلاة والسلام.
وقتل الأنبياء من أكفر الكفر.
قال: [قال أنس بن مالك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل البرهة من عمره -أي: الفترة من عمره- بعمل أهل الجنة، فإن كان قبل موته تحول)] وكلمة تحول تصيب الشخص بالفزع، والنبي عليه الصلاة والسلام لما علم هذه الحقيقة كان يفزع من ذلك، وكان دائماً يقول: (اللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب! صرف قلبي إلى طاعتك).
وهذه الحقيقة معلومة يقيناً لدى كل مسلم، فينبغي لكل واحد منا أن يذل ويتذلل ويخضع لمولاه ويسأله أن يثبت قلبه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يسأل ربه التثبيت والتصريف إلى الطاعة، حتى قيل له: (يا رسول الله! أوتخشى على نفسك؟ قال: وكيف لا أخشى على نفسي والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء) وتصور أن الرجل قد يظل عمراً طويلاً يعمل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار فيدخل النار، هذا شيء عجيب وعظيم جداً، والله تبارك وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، وهو قد علم ما العباد عاملون وما هم إليه صائرون، وهو غير ظالم لمن أدخله النار، وهو المتفضل على من أدخله الجنة سبحانه وتعالى.
قال: (فإذا كان قبل موته تحول)، أي: من كان يعمل بعمل أهل الجنة تحول فعمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار.
قال: [(وإن الرجل ليعمل البرهة من عمره بعمل أهل النار، فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة).
وعن عمران بن حصين قال: (قال رجل: يا رسول الله! أعلم الله أهل الجنة من أهل النار؟ -أي: هل يعلم ربنا أهل الجنة وأهل النار؟ - قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: ففيم يعمل العاملون؟ -يعني: ما لزوم العمل وقيمته؟ - فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)].
فمن كان في علم الله أنه شقي وأنه من أهل النار وإن عمل برهة من الزمان بعمل أهل الجنة فسيختم له بعمل أهل النار، وتصور لو أن رجلاً عمل مائة عام بعمل أهل الجنة، وقبل موته بلحظات ارتد عن دين الله عز وجل، فهذا يكون في النار مع أنه طيلة عمره كان يعمل بعمل أهل الجنة، والإنسان لا يملك لنفسه الردة كما لا يملك لنفسه الإيمان، وكل ذلك بقدر من الله عز وجل، وقد سبق في علم الله تعالى أن فلاناً سيرتد، وأن فلاناً سيثبت على الإيمان، وفلاناً سيفتن، وفلاناً لن يفتن، فإذا كان هذا كله بيد الله عز وجل -يعني: إذا كان النفع والضر والسعادة والشقاء بيد الله- فلا أقل من أن تتعلق بحبل الله المتين، وبسؤال الله أن يثبتك على الإيمان، حتى تفارق هذه الدنيا، كما تتعلق بآحاد الخلق لمصلحة لك عنده، ولله المثل الأعلى.
قال: [عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل من عمره أو كل عمره بعمل أهل الجنة، وإنه لمكتوب عند الله من أهل النار، وإن العبد ليعمل الزمن الطويل من عمره أو أكثره بعمل أهل النار، وإنه لمكتوب عند الله من أهل الجنة)].