[أحوال صحابة رسول الله والتابعين إذا ذكر لهم شيء من القدر أو الجدال والخصومة]
قال: [وقال أبو بلال الأشعري: سألت أنس بن مالك: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرون القدر؟ قال: إنه لم يكن شيء أكره إليهم من الخصومات، وكانوا إذا ذكر لهم شيء من ذلك نفضوا أرديتهم وانصرفوا].
والأردية: جمع رداء.
وكان من المحدثين من إذا سئل عن راوٍ لم يجب، كـ يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من أهل العلم النقاد، فـ أحمد بن حنبل يضرب كفاًّ على كف، والبخاري لما يسأل عن راو سواء كان كذاباً أو وضاعاً يتحول إلى الناحية الأخرى؛ إعراضاً.
وكان يحيى بن معين إذا سئل عن أحد نفض ثوبه ثم قام، وقال: أخشى أن تنزل من السماء صاعقة، وأحرى أن تنزل الصاعقة الآن بذكر هؤلاء الكذابين الوضاعين الذين يفترون على الله الكذب وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام.
وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا ذكر القدر وغيره مما هو محل للجدال والمناظرة ينفضون أرديتهم، ثم يقومون فيسرعون؛ مخافة أن تنزل عليهم عقوبة من السماء.
[وقال إبراهيم النخعي: ما خاصمت قط]، يعني: لم يتعرض يوماً للجدال، وإذا تعرض له تركه وانصرف.
[وقال أهل العلم: ما خاصم وَرِع قط].
وكل هذا الكلام محمول على الجدال بالباطل، وأما الجدال لإظهار الحق فلا حرج فيه، كما قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥]، إذاً: فهناك جدال مذموم، وجدال ممدوح.
وكل كلامنا هنا في جدال أصحاب أرأيت أرأيت، والآرائيون هم الذين لا يعنون بالسنة والأثر، وإنما يعتمدون على عقولهم، ويقدمون عقولهم على النص والدليل، فهؤلاء الجدال معهم هو الممحق للبركة، والممرض للقلوب وغيرها.
[وقال جعفر بن محمد: إياكم والخصومة في الدين؛ فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق.
وقال وهب: دع المراء؛ فإنك لا تعجز أحد رجلين: رجل هو أعلم منك، فكيف تماري وتجادل من هو أعلم منك؟! ورجل أنت أعلم منه فكيف تماري وتجادل من أنت أعلم منه ولا يطيعك؟! فاقطع ذلك عنه].
فأنت في الجدال والخصومة في كل الأحوال مخطئ؛ لأنك إما أن تجادل من هو أعلم منك وأنت جاهل، أو أنك تجادل من أنت أعلم منه وهو أقل منك علماً ولا يطيعك، ففي كل الأحوال أنت لا تطيع ولا تطاع، فلابد أن يئول الأمر إلى الخسار والبوار.