[بعض المخالفات التي تقع أثناء الخطبة]
السؤال
ما هي الضوابط الشرعية لرؤية الخاطب مخطوبته، وما الذي يباح له أن يراه من المخطوبة، وبعد أن يراها ماذا عليه أن يفعل؟ وهل يصلي صلاة الاستخارة فحسب، وهل للاستخارة مدة معينة أم يكفي مرة فيها أو مرتان أو ثلاث؟ وكيف يفعل إذا لم تقع المخطوبة في قلبه؟ وكيف يفعل إذا لم يحس بشيء في قلبه؟ أرجو الاهتمام بالرد المفصل؟
الجواب
سنرد رداً مجملاً، فالسلف رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا الذي نفعله، فالواحد اليوم يذهب إلى ولي المرأة ويقول له: سمعت أن لك بنتاً وأريد أن أتزوجها، ثم تخرج البنت ومعها كشف أسئلة، وهو يأتي بكشف أسئلة، ثم يطرح كل واحد أسئلته ثم يتعاركان في الإجابات، ثم تقول له: أنت تحفظ القرآن كله وأنا لا أحفظه، وهو يقول: أنا لست حافظاً للقرآن، فتقول له: إذاً أنت لا تصلح أن تكون زوجاً؛ لأن في مذهبنا أنه لا يصح الزواج من رجل إلا إذا كان حافظاً للقرآن، وهذا الكلام لا يستند إلى أي كتاب، فضلاً أن يستند إلى كتاب الله أو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل باطل باطل).
يعني: أن الذي ليس حافظاً للقرآن الكريم سيضيع ولن يتزوج، وسيذهب يزني ويفجر، ثم تقول له: اذهب إلى الشيخ، فيقول لها: أنا سأخطبك من أبيك ووليك، فتقول له: ولاية أبي بعد ولاية الشيخ، ثم بعد أن يتم شبه اتفاق على الأسئلة والأجوبة يقول لها: اخلعي النقاب من أجل أن أنظر إليك، فتخلعه، وكل هذا لم يكن يفعله السلف، وإنما كانوا من أراد أن ينكح منهم امرأة اختبأ لها حتى يرى منها ما يسره، وفي الحديث قال محمد بن مسلمة: (يا رسول الله! إني نكحت امرأة، قال: أرأيتها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وفي رواية: (فإن في أعين الأنصار صفراً).
والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أحب أن يتزوج امرأة فاختبأ لها حتى رأى منها ما يسره.
وهل لما اختبأ المغيرة بن شعبة أو ابن مسلمة رأيا ممن يريدان الزواج بهما الوجه والكفين أم ما يظهر منهما في العادة؟ والآن من يريد الخطبة يختبئ في الشارع، وفي الحالة لن يرى منها ما يسره، وربما يرى بعض ما يسره من الطول والوزن والعرض، وكذا، لكن محل الجمال والخصوبة الوجه والكفان.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخاطب لا يرى من مخطوبته إلا الوجه والكفين فقط، وهذا الكلام ليس عليه دليل، وذهب ابن حزم مذهباً أبعد من ذلك فقال: يجردها، أي: يجردها من ملابسها.
وتصحف على بعض من نقل عن ابن حزم كلمة يجردها فجعل الدال باء، فقال: يجربها.
وذهب بعضهم إلى أنه يرى منها ما يظهر عادة، يعني: يرى منها كما ترى أنت من أمك وأختك، والذي يظهر من المرأة في العادة إذا كانت لابسة في بيتها ملابس محتشمة الرأس والوجه وشيء من الرقبة وشيء من الصدر وشيء من الساق والقدم والذراع.
وهذا الرأي الثالث هو أرجح الأقوال التي تشهد له الأدلة.
قال: (اذهب فانظر إليها؛ فإنه عسى أن يؤدم بينكما)، أو (اذهب فانظر إلى ما يسرك منها؛ فإنه عسى -أو حري- أن يؤدم بينكما)، يعني: يديم بينكما العشرة، ففي هذه الحالة إذا وقعت في قلبه استخار، ثم انطلق للخطوبة.
والمسألة الآن صار يحكمها العرف أكثر؛ لأن الاختباء صار مسألة صعبة؛ لأنها أول ما تدخل البيت تغلق النوافذ والأبواب فكيف سيراها؟ وعلى هذا يلزم الخاطب استئجار شقة مقابلة لشقتها، ثم يفتح نافذة شقته فتحة صغيرة، وينتظر سنة أو سنتين أو ثلاث حتى تغلط وتفتح النافذة ويراها، وحتى تأتي هذه اللحظة تكون قد خطبت لشخص آخر، فهذه مسألة صعبة جداً، ولذلك ألف العرف أن من أراد أن يعقد على امرأة أو ينكحها أو يخطبها يدخل مباشرة من الباب ويكلم أمها، ولا يجلس على النافذة، {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:١٨٩].
فيذهب الخاطب إلى الولي ويخطب إليه ابنته، ويجلس معها في حضور وليها وينظر إليها.
وهناك من يظل ينظر طول الوقت، وهناك من هو حيي جداً كالعذراء في خدرها، فأول ما تدخل بالنقاب يطرق بوجهه إلى الأرض، ثم يخرج بعد ساعة وما رآها، بل حتى لا يعرف ما كانت تلبس، فهو لم يرها أبداً.
وعدد مرات النظر التي يجوز للخاطب فيها أن يرى مخطوبته ليست محدودة بحد في النصوص، بل يراها حتى تقع في قلبه أو ينصرف عنها، ثم إذا انصرف عنها لم يحل له أن يراها مرة أخرى؛ لأنه قد تركها، وقد قطع وجزم بأنه لن يتزوجها، وكذلك لو رآها في المرة الأولى ووقعت في قلبه وسر برؤيتها فلا يراها الثانية حتى يعقد عليها، ولو تردد أهي جميلة أم قبيحة، أو بينهما؟ ويرى أنه لو نظر إليها مرة ثانية أنه قد يتأكد فلا بأس أن يرجع مرة ثانية وثالثة ورابعة وأكثر من ذلك، ما دام أنه متعلق بها ولم يتحقق من رؤيتها.