قال:[عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال: هي من السحت، أي: من الحرام، قال: فقال: أفي الحكم؟ يعني: هذا من السحت في الحكم؟ قال: ذلك الكفر]، أي: أن الرشوة في الحكم أو السحت في الحكم من الكفر وليس من السحت فقط، ولكنه كفر عملي، وهذا كما لو كان شخص له شيك على أحد من الناس لا يقدر على أخذه، فلما عرف الدائرة التي ستعرض فيها قضيته وعرف القاضي الذي سوف ينظر في القضية -والقضاة معظمهم ذممهم خربة- ذهب إليه في بيته وقال له: أنا لي شيك بخمسة آلاف جنيه، فخذ منها ألفاً واحكم لي بسرعة وخلصني، فقال: نعم، وهو لما حكم بهذا حكم حكماً شرعياً، ولكنه يأثم لأخذه الرشوة، ولو أن الخصم هو الذي ذهب إليه وقال له: صحيح أن علي الخمسة آلاف جنيه هذه، وأنا لا أريد أن أدفعها، وسأعطيك نصفها لو أنهيت القضية وأخرجتني منها، والقاضي في حقيقة أمره يعلم أن هذا قضاء زور، وأن الله حرم هذا، وأن القضية من أولها إلى آخرها حرام في حرام، وأنها ظلمات بعضها فوق بعض، وهو لما حكم بهذا يعلم في حقيقة أمره أن حكمه باطل ومخالف للشرع، ويقول: أنا حكمت لأجل أن آخذ المال، أو لأنه من الجيران، فحكمت له لكي أتخلص من أبيه وعمه وخاله وجدته وأمه وأخته والذي يأتي والذي يذهب.
وهناك من يجلس على كرسي في أي منصب ويقول: أنا أعرف أن هذا الكرسي كله ظلم وأني ظالم، وأن عملي الذي أعمله غلط مخالف للشرع، وسيحاسبني الله عز وجل عليه يوم القيامة، فإذا قلت له: فلماذا تجلس عليه قال: أنا أحب الكرسي، ولو وقفوني عن العمل فيمكن أن أموت، ولتعلق قلبي بالكرسي أنا جالس عليه، والمهم أن لا أتركه.
فأنت تقول له: هذا ظلم، وهو يقول لك: أنا أعلم منك، فأنا أعمل كذا من البلاء، فهذا لا يكفر ولا يخرج من الملة، بل هذا كفر عملي.
وهناك من غير كون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد أو المصدر الأول من مصادر التشريع، وقال: هذا كلام ليس له أساس، بل القانون الفرنسي هو المصدر الأوحد للقضاء في مصر، يعني: زحزح الشريعة جانباً وأحل محلها تشريعاً يتصف بالتبديل والتغيير المطلق، وقال: هذا هو دين ربنا، وخمسة وتسعون في المائة منه يتطابق تمام المطابقة مع الشرع، والذي يقول هذا القول هو شيخ من أهل العلم، ويقول هذا، وإذا كان هذا كلامه هو فسيقول الآخرون: مائتين في المائة، مع أننا نرى الفرق بين أحكام الشريعة وهذه القوانين في قضايا الزنا والسرقة وشرب الخمر والعري والبلايا وغيرها، فهذه القوانين لا توافق شرع الله ولا حتى في خمسة في المائة أبداً، وما وافق من هذه القوانين شرع الله فلا نأخذ به، وإنما نأخذ بشرعنا.
والتغيير العام لحكم الله عز وجل وشرعه كفر أكبر، وأما التغيير في بعض المسائل بناء على الشهوة أو حب المال أو المنصب أو مخافة عدو أو غير ذلك لا يكفر به الفاعل.
ولكن الفاعل يكفر إذا غير وجه الأرض في مكان يستطيع هو بكلمة واحدة أن يطبق شرع الله فيه، ولكنه عدل عن ذلك إلى شريعة بني صهيون، ولذلك قال مسروق: قلنا لـ عبد الله: ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم، قال عبد الله: ذاك الكفر، أي: الكفر العملي.