[أقسام النفاق]
قال: [وعن الحسن قال: النفاق نفاقان].
يعني: أكبر وأصغر.
قال: [نفاق بالتكذيب ونفاق بالعمل]، فمن نافق بتكذيب الله ورسوله وتكذيب الشرع، فلا شك أنه خارج عن ملة الإسلام، ونفاق العمل كأن يكذب إذا حدث، ويخلف إذا وعد، ويخاصم إذا فجر، فكل هذا بلا شك لا يخرج به صاحبه من الملة.
والفجور في الخصومة مثل أن نفترض أننا نقع في بعض ونختلف مع بعض، والذي سيحصل أنني أتكلم بكل المخازي التي عندك وأنت تقول كل المخازي التي عندي، وهذا نسميه فجوراً في الخصومة.
أما أهل الإيمان فهم الذين يسترون على بعضهم البعض حتى إذا وقعت بينهم الخصومة، أما المنافقون فإن كل واحد منهم يتغاضى عن كل الأخطاء، حتى إذا وقعت بينك وبينه خصومة فإنه يخرج عيوبك كلها والفضائح، وهذا بلا شك خصلة من خصال المنافقين، لا أقول: إن من فعل ذلك يكفر، وإنما أقول: هذا خلق من أخلاق المنافقين ينبغي أن يتنزه عنه أهل الإيمان.
قسم علماء السلف النفاق إلى قسمين: نفاق قلب، ونفاق عمل.
فنفاق القلب هو نفاق التكذيب الذي يتصل بالمعتقد، أما نفاق العمل فهو معصية كسائر المعاصي، وخلق مشين يتصف به المنافقون، ولا يلزم من ذلك إخراجه من الملة.
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على ترجمة الإمام البخاري لهذا الحديث: (باب علامة المنافق)، قال: لما تقدم من إثبات أن مراتب الكفر متفاوتة.
فهناك للكفر مراتب ودرجات، وكذلك الظلم.
فالكفر كفران، قال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فالذي يحلف بغير الله عز وجل وأسمائه وصفاته لا يخرج من الملة، وهذا كفر العمل، فكما أن الكفر كفران، فكذلك الفسق فسقان، وكذلك النفاق نفاقان.
قال: وكذلك الظلم.
فقد تكلم الإمام البخاري عن أقسام الظلم ثم تكلم عن أقسام النفاق، قال: والنفاق نفاقان.
قال الكرماني: مناسبة هذا الباب لكتاب الإيمان أن النفاق علامة عدم الإيمان، أو ليعلم منه أن بعض النفاق كفر دون كفر، وبعض النفاق يخرج صاحبه من الملة.
والنفاق لغة هو: مخالفة الظاهر للباطن، يعني: يتكلم المرء بكلام ويبطن خلافه.
فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإذا كان متعلقاً بالعمل، فهو نفاق العمل الذي لا يخرج به صاحبه من الملة، وهذا هو الضابط.
قال: ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه.
قال الإمام البغوي: والنفاق ضربان، يعني: أنه قسمان ونوعان.
أحدهما: أن يظهر صاحبه الإيمان وهو مسر للكفر، كالمنافقين الذين كانوا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
والثاني: ترك المحافظة على حدود وأمور الدين سراً ومراعاتها علناً، فهذا يسمى منافقاً، ولكنه نفاق دون نفاق، لا يكفر به صاحبه ويخرج من الملة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالإسلام يتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان.
والإسلام يشمل من نطق به وإن لم يكن في قلبه ذرة من إيمان، وهذا إسلام المنافقين، فهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، لكنهم عند الله كفاراً وعند الخلق مسلمين.
قال: وهو النفاق المحض، كما أن الإسلام يتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، ولكن لم يفعل الواجب كله، لا من هذا ولا في هذا، وهم الفساق، يعني: هو فعلاً محب لله ورسوله، بخلاف المنافق فإنه مبغض لله ورسوله، فهذا كالمنافق تماماً بتمام في إعلان كل واحد منهما للإسلام والنطق بالشهادتين، أما المنافق فقد أبطن خلاف ما أظهر، وأما هذا فإن باطنه كظاهره يحب الله تعالى ورسوله ولا يرضى بالإسلام بديلاً، لكنه فرط في الواجبات فارتكب المحرمات وترك المأمورات، فهذا فاسق.
ويكون في أحدهم شعبة نفاق، ويتناول من أتى بالإسلام الواجب وما يلزمه من الإيمان، ولم يأت بتمام الإيمان الواجب، وهؤلاء ليسوا فساقاً تاركين فريضة ظاهرة، ولا مرتكبين محرماً ظاهراً، لكن تركوا من حقائق الإيمان الواجبة علماً وعملاً ما كانوا به مذمومين.
وهذا هو النفاق الذي كان يخافه السلف رضي الله عنهم على أنفسهم، وهو نفاق العمل، فإن صاحبه قد يكون فيه شعبة نفاق.
ويتعرض ابن القيم لهذا الموضوع قائلاً: وكذا النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد ونفاق عمل، فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن، فأوجب لهم الدرك الأسفل من النار, ونفاق العمل كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أربع من كن فيه كان منافقاً) وذكر الأدلة التي بين أيدينا.
قال: فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان، وعلاماته: إذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وهذه العلامات المذكورة لا تجتمع على جوارح العبد الذي قد اطمأن قلبه بالإيمان، فهو قد يأتي بجوارحه أفعالاً تخالف مكنون قلبه المطمئن بالإيمان، وهي خصال وأفعال المنافقين.
فيقول: أصل الإيمان في قلبه وإن خالفت أفعاله ما كان في قلبه، لكن هذه الأفعال لا تبلغ به درجة الكفر، وهذا نفي للكمال الواجب.
قال: لكن إذا استحكم وكمل فقد ينسل