قال:[وهواجس القلوب وخطرات النفوس، فليس أحد يتحرك حركة ولا يهم همة إلا بإذنه، وخلق الخير والشر]، أي: أن ربنا خلق الشر، وأنت لا تذوق حلاوة الخير إلا إذا رأيت الشر، كما أنك لا تشعر بحلاوة التوبة إلا بوجود الذنب، ولكن الشر المحض ليس من أفعال الله، لقوله عليه الصلاة والسلام:(والخير في يديك والشر ليس إليك)، أي: الشر المحض ليس من أفعال الله، لكن ما هو الشر؟ الشر الذي يحمل معه الخير، فالقتل شر، فلو أن قاتلاً قتل وأقيم عليه الحد على ملأ من الناس، وما أعظم الملأ في هذا الزمان، ملأ الإنترنت وملأ الدش وملأ التلفزيون وملأ الراديو، فتصور لو أن العالم كله -كما يجتمعون على المباريات والمغنيات وغير ذلك- يجتمعون لإقامة الحد في فلان؛ لأنه قتل بغير حق، فهل سيفكر أحد رأى هذا المشهد أن يقتل؟ لا يمكن، ولذلك يكون من الخير أن يقتل هذا ويراه طائفة من المؤمنين، وهذه الطائفة ربما سولت لها نفسها أن تقتل، لكن المرء سيفكر مليون مرة قبل أن يقتل أنه سيعرض في نفس المكان ويقام عليه الحد ويتفرج عليه الخلق، ولذلك يحجم فوراً.
كذلك: النار شر وفيها الخير، فنقضي بها مصالحنا ويعذب بها من استحق العذاب وغير ذلك.
أيضاً: خلق إبليس هل هو خير أم شر؟ إنه لا خالق إلا الله، فله الخلق والأمر سبحانه وتعالى، وحينئذ نقول: الله تعالى لما خلق إبليس يكون قد خلق الشر، فيكون الشر والخير من خلق الله عز وجل، ولذلك قال هنا:[وخلق الخير والشر، وخلق لكل واحد منهما عاملاً يعمل به، فلا يقدر أحد أن يعمل إلا لما خلق له، وأراد قوماً للهدى]، انظر مرتبة الإرادة.
قال:[وأراد آخرين للضلال فجعل صدورهم ضيقة حرجة، وجعل الرجاسة -أي: الرجس والنجس- عليهم، وأمر عباده بأوامر وفرض عليهم فرائض، فلن يؤدوها إليه إلا بتوفيقه ومعونته]، حتى تعرف لما تصلي أو تصوم أو تزكي أو تحج أو تطلب العلم أن ذلك بفضل الله وتوفيقه لك.
قال:[وحرم محارم وحد حدوداً، فلن يكفوا عنها إلا بعصمته]، من الذي يعصمك من الشر؟ الله عز وجل.
قال:[فالحول والصول والقوة له سبحانه، وواقعة عليهم حجته، غير معذورين فيما بينهم وبينه]، أي: أنهم غير معذورين بإرسال الرسل وإنزال الكتب.