[حديث (ثلاث من الكفر بالله: النياحة وشق الجيب والطعن في النسب)]
قال: [عن كريمة بنت الحسحاس المزنية قالت: سمعت أبا هريرة في بيت أم الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث هن من الكفر بالله: النياحة، وشق الجيب، والطعن في النسب)].
ولو أن كل من ناح خرج من الملة فربما لا يبقى في الأمة أحد، فالبلدة كلها تنوح على الميت، فمنهم من ينوح ليؤدي واجباً، ومنهم من ينوح ليرجع الجميل؛ لأنه قد نيح له من قبل، ومنهم من ينوح بإخلاص، يعني: أنه قد مسه ألم الموت ونزلت به المصيبة.
والعرب تقول: ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، وكان العرب إذا مات لهم ميت يستأجرون نساء يلطمن وجوههن ويشققن جيوبهن، ويقفن على الباب ينحن؛ حتى يعرف الذي في الخارج أن هذا البيت فيه ميت، وكانوا يعتبرون أن النياحة على الأبواب هي النعي، ولذلك جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، أي: نعي الجاهلية.
وقال هنا: (ثلاث هن من الكفر بالله)، أي: الكفر العملي، فواحدة تقول: يا جملي! يا سبعي! يا الذي كنت مالي في البيت! وهكذا، وهذا نوع من أنواع النياحة.
والقائلة بهذا لا شك أنها واقعة في كبائر الذنوب، لكنها لا تكفر بذلك.
وكذلك الشاقة لجيبها أو الشاق لجيبه يعني: الذي يدخل يده في الثوب أو تدخل يدها في الثوب وتشقه كله، وهذا عمل من أعمال الجاهلية، والمرء لا يكفر بهذا كفراً يخرجه عن الملة.
وكذلك الطعن في النسب، مثل من يقول: فلان ليس ابن فلان، وإنما فلان هذا زنى بأمه وقد أخبرني بذلك، وحتى لو كان الأمر كذلك فلا يحل التكلم بهذا، وإقرار الزاني عندك لا قيمة له؛ لأن العبرة بإقرار المذنب أمام القاضي أو الحاكم والسلطان، وأما أمامك فلا عبرة به، بل لو تكلمت به لكنت قاذفاً، ووجب إقامة حد القذف في ظهرك.
والشهادة بالزنا لا يقبل فيها إلا أربعة شهود، ويشهدون أنهم قد رأوا الإيلاج حقيقة، يعني: رأوا الذكر في فرج المرأة، وإلا لم يحل لهم أن يتكلموا بكلمة واحدة، وإذا تكلم ثلاثة وجب على الحاكم أن يقيم عليهم الحد.
وقد رمي رجل في زمن عمر بن الخطاب باللواط بطفل، فشهد الأول عند عمر أنه رأى، وشهد الثاني أنه رأى، وشهد الثالث أنه رأى، فجاء الرابع فقال عمر: اتق الله عز وجل في أخيك هل رأيت؟ قال: يا أمير المؤمنين! رأيت شراً، قال: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أن فلاناً وفلاناً قد التحفا بلحاف واحد يرتفع وينخفض، فقال عمر: الله أكبر، ثم أقام حد القذف على الثلاثة.
والحدود تدرأ بالشبهات، وليس لازماً من كون الرجل مع المرأة في لحاف واحد، أو رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة؛ أنه قد تم بذلك الزنا أو اللواط أو السحاق.
ولما كانت هذه من الأمور العظائم في الأمة وضع لها الشرع ضوابط دقيقة وسديدة، حتى لا تتهم الأعراض أو الأشخاص الذين هم في أصل أمرهم برآء من هذه الذنوب، وهذه الدساتير الواقية من انتشار الفواحش في المجتمع المسلم كفيلة بنقاء وصفاء هذا المجتمع، وأما نشر الأخبار هكذا بأن فلاناً زنا بأمه، وفلاناً يعمل كذا، والرجل مع بنته، والبنت مع أبيها، وغير ذلك على صفحات الجرائد، بل وتخصيص مجلات لنشر هذه الأخبار؛ فهذا باب عظيم من أبواب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
ولذلك تجد الإنسان لا يعرف شيئاً عن هذه الحوادث، لكنه إذا قرأ جريدة الحوادث حصل عنده حب واستطلاع لممارسة هذه الحوادث بنفسه، وأنا أنكر على مثل هذه المواقف، ولا أريد الاستفاضة في هذا الباب؛ حتى لا أقع فيما أحذر منه.