[واجب أهل العلم تجاه المسالك الشيطانية لأهل البدع ضد الدين]
فالإمام ابن بطة عليه رحمة الله في هذا الباب يحذر من سماع كلام أهل البدع والزيغ والضلال وإن تجملت شبهاتهم، وإن كان كلامهم في ظاهره مقبولاً، فإنه يحذر منه أشد التحذير، ونجد كلام أهل العلم في تحذيرنا من سماع كلام أهل الزيغ والضلال والأهواء، ومع ذلك نجدهم قد تصدوا لهم، مع أنهم قد حذرونا أن نسمع مجرد سماع لكلامهم.
والتوفيق بين تحذير أئمتنا لنا من أن نسمع كلام أهل البدع وبين تصديهم لهم: أنه لا يتصدى لهم إلا أهل العلم، ويحمل تحذيرهم لعامة الناس، ولمن يظن أنه يقع في حبائلهم، وأما أهل العلم الذين أوجب الله عز وجل عليهم إظهار هذه الشبهات، والرد عليها، وتفنيد مزاعم أهل الباطل؛ فهذا من أوجب الواجبات عليهم، ولذلك تجد في كل عصر من ينصح الأمة ويحذرها من أهل البدع، وهو بنفسه الذي يفضح ألاعيبهم، ويكشف عوارهم، ويبين فساد أقوالهم؛ لأن هذا يتعين عليه هو، وأما عامة أهل العلم مثلاً وعامة الناس فمن الخطورة بمكان أن يصغي أحدهم إلى أقوال أهل البدع.
وأهل البدع في كل زمان ومكان يتجملون ويتلطفون جداً مع العامة، ويظهرون من حسن الخلق الشيء الكثير حتى يغتر بهم العامة، ولا أدل على ذلك من أن النصارى -وهم النصارى وليس بعد الكفر ذنب- يتجملون جداً ويتلطفون، ويستخدمون أعلى أساليب الدهاء والمكر والخداع في استرضاء المسلمين، حتى إننا نجد جهلة المسلمين يلتقون بهم، ويصرحون أحياناً بأن النصارى أحسن من المسلمين، هكذا نسمع، وهذا ما هو إلا نقلة من مكائد أهل البدع، فيستخدمه أحدهم إذا أراد أن يعطيك شكوكاً، أو يوهمك في أصول الشريعة، أو يصرفك عن طريقك الذي تسلكه، فيصرفك بطريقة لبقة جداً مهذبة، وإن شئت فقل: بطريقة مقنعة لأهل الإيمان، مقنعة لمن كان قصده مبدأ لا عقيدة فيها ولا شريعة ولا فقه ولا علم.
فكلامهم لا يقبله إلا عقل فارغ ليس فيه شيء من دين الله عز وجل، وأما أن هذا الكلام مقنع أو مستقيم على الأصول الشرعية التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح؛ فليس كذلك، فهذه هي الأصول التي بها نقبل وبها نرد الأخبار، فالإمام هنا يحذر من سماع كلام هؤلاء القوم.