قال:[وعن قتادة: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كيف بكم إذا لبستكم فتنة، يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير].
وهذا يدل على أن هذه الفتنة بقيت مدة من الزمان طويلة، حتى إن الذي كان صغيراً أصبح كبيراً، والذي كان كبيراً أصبح شيخاً هرماً.
قال:[فتتخذ سنة]، أي: تتخذ هذه الفتنة سنة، [فإذا غيرت يوماً قيل: هذا منكر]، أي: إذا غير هذا البلاء قيل على التغيير: هذا منكر، [وقالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: ذاك إذا قلَّت أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقل فقهاؤكم، وكثر قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة].
يذكر أمارات وعلامات لهذا التغيير وهذا التبدل.
متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال:(إذا قل أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم).
فأمراؤنا اليوم كثير وكثير، ومنهم من عمره إحدى عشرة سنة، أو تسع سنين، أو ثمان سنوات، وعندنا في مصر كل واحد أمير نفسه، ممنوع على أحد أن ينصحه أو يكلمه أو يغير عليه، ممنوع على أحد أن ينكر عليه، ممنوع على أحد أن يعلمه، كل واحد فينا حر لوحده.
قال:(وقل فقهاؤكم).
يدل على ذلك مشروع الثقافة الذي بين أظهرنا، ظل هذا المشروع الثقافي شهراً وهو يبحث عن سبعة من المشايخ! قال:(وكثر قراؤكم) وهاهم من الكثرة بمكان.
إن الورقة الرابحة الآن أنه يكون إنساناً مثقفاً ويدرس، ويحفظ قليلاً من الآيات وقليلاً من الأحاديث، ويقرأ كتاباً في الفقه ويجلس في المجالس ليفتي، ولا يتحرج من شيء؛ وهو لا يعرف الصحيح من الضعيف، ولا المتواتر من الآحاد، ولا أي شيء من ذلك، كما أنه يحرص كل الحرص على أن ينجح في هذه السنة، فيعطونه شهادة بأنه أصبح عالماً، وهناك من يأخذ الليسانس، فإن قيل له: من أنت؟ قال: أنا فلان الأزهري، فيعطونه جزئية من البحث أو فرعية من فرعيات المسائل، حضَّر فيها وألف فيها أقوال الفقهاء قديماً وحديثاً، ورجح ما كان مرجوحاً حتى وإن خالف القرآن؛ لأنه لا بد أن يرجح حتى يكون مجتهداً، فيرجح ويأخذ الرسالة، فبمجرد أن يأخذ الرسالة لا يستطيع أحد أن يكلمه نهائياً؛ لأنه دكتور في الجامعة، وإن شئت فقل: هو الكور من غير الدال والتاء.