للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم البيع والشراء مع اليهود والنصارى]

السؤال

يقول: أنت من واقع عاطفتك جوزت التعامل بيعاً وشراءً مع اليهود والنصارى، وهذا محرم شرعاً، فما رأيك؟

الجواب

التعامل مع اليهود والنصارى بالبيع والشراء فيما أحله الله عز وجل، إذا كان أصل البيع والشراء حلالاً فهو حلال، ولا يوجد دليل واحد يحرم التعامل مع اليهود والنصارى بيعاً وشراءً، وأنا لا أستند في ذلك إلى العاطفة، ومن زعم غير هذا فليأتني بنص واحد يحرم التعامل بيعاً وشراءً مع اليهود والنصارى.

والمؤتمر الذي عقد هنا في شهر (٩) الماضي أنا كنت صاحب الفكرة في انعقاده، وكنت حريصاً جداً على الدعوة إلى مقاطعة اليهود والنصارى في كل باب من الأبواب، وهناك من يتصور أن المقاطعة تعني ألا يشرب البيبسي فقط، وإذا ذكرت المقاطعة انطلق ذهنه مباشرة إلى البيبسي، مع أن البيبسي هذا واحد من مليون سلعة غرقت فيها السوق الإسلامية والسوق العربية، ونحن نطالب بالمقاطعة من إبرة الخياطة إلى برميل البترول، فتكون المقاطعة عامة كلية، ونطالب بالمقاطعة الدولية قبل المقاطعة الفردية؛ لأن المقاطعة الدولية منفعتها أعم، فالدولة إذا قاطعت إسرائيل في منتجاتها خلت السوق من المنتجات، ولن توجد إلا المنتجات المحلية، وإذا وجدت المنتجات الأوروبية أو اليهودية أمامنا في السوق ونحن في حاجة إليها وليس هناك بديل فسنشتريها، فالمقاطعة الدولية أهم، بل هي السبيل إلى المقاطعة الفردية، وأنا طرحت هذا الأمر مراراً وبتكلف على المحاضرين في أثناء المؤتمر، وتعمدت إعادته مراراً على المحاضرين في الندوة التي كانت في آخر يوم، وتكلمت في البيان الأخير عن وجوب المقاطعة الدولية والفردية للمنتجات الأوروبية، وليس اليهودية فحسب، وأنا دعوت وتكلمت عن الحكم الشرعي فقط، ومن قال: إنني أستند إلى العاطفة فليرني نفسه، وأنا سأقول له: الثوب الذي عليه منتج يهودي أو نصراني، فهو لا يعجبه إلا الجلابية الأصيلة والدفة، ولازم تكون آتية من اليابان، ولو كانت أمامه صناعة سعودية ويابانية لاختار اليابانية؛ لأن اليابان لا تصنع شيئاً رديئاً، والعرب كلهم صناعاتهم رديئة، والسيارة التي يركبها هذه صناعة ألمانية أو أمريكية أو غير ذلك.

فنحن معذورون ومجبورون أن نشتري هذه الحاجات؛ لأنها لا بديل لها، هذا إضافة إلى الاستهتار التام في الصناعات العربية والإسلامية، وغلائها كذلك، فأنت قد تشتري قطعة الغيار المصرية بمائة جنيه، والمستوردة التي هي أفضل منها بمليون مرة بثمانين جنيهاً فقط، ولو اشتريت المصري فسيخرب بعد أسبوع، وستشتريه مرة أخرى بمائة جنيه، وأجرة الاستشاري الذي يصلحها ثلاثمائة جنيه، وأنت راتبك مائتا جنيه فقط، فهناك حيثيات كثيرة جداً تبيح للمسلم أن يتعامل مع اليهود والنصارى بيعاً وشراءً.

والشيخ أحمد المحلاوي حفظه الله كان سنة (١٩٨١م) في الجمعية الشرائية في المنصورة، وتكلم عن وجوب مقاطعة اليهود والنصارى في منتجاتهم، وقال: نصرة الإسلام وهزيمة الصليب واجبة أم لا؟ قلنا: نعم واجبة، قال: لا يكون ذلك إلا بالمقاطعة.

وهذه نظرة رائعة وبعيدة جداً، ولكنها لم تتم في الوقت، وكان هذا قبل عشرين سنة، أو ثنتين وعشرين سنة، ولم تكن السوق الإسلامية في ذلك الوقت قد غزيت بهذه الطريقة، ولا خاب المسلمون بهذه الطريقة، ومع هذا كان الشيخ يرى أن سبب الهزيمة التي لحقت بالمسلمين هي اعتمادهم وركونهم على السوق الأوربية، وغير ذلك.

فأنا لم أعتمد على العاطفة، ولم أدع إلى التعامل مع اليهود والنصارى بيعاً وشراءً، ولكني تكلمت عن الحكم الشرعي فيما لو تعامل معهم به رجل، فهذا لا يحرم عليه، ولا يوجد أحد يقول: يحرم.

وهناك عمال في الشركات الأوروبية أو اليهودية أو النصرانية يعملون فيها، فقد يكون مثلاً شغالاً في شركة بيبسي، ويأخذ خمسمائة جنيه في الشهر، وهو يدعو لمقاطعة البيبسي، فلا يترك الشركة، بل يستمر فيها، وإن أفلست الشركة لا يتركها إلا إن أخرجوه منها، ولو أفلست الشركة فهو المستفيد منهم، وليسوا هم المستفيدين منه.