[قوله تعالى لإبليس:(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وقول موسى: (هذا من عمل الشيطان)]
المسألة الرابعة عشرة: قوله تعالى لإبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر:٤٢].
وقال موسى حين قتل النفس:{هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[القصص:١٥]، وشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض؛ لأن موسى من عباد الله المخلصين، فكيف قتل هذه النفس، مع أن هذا من تسلط الشيطان، والشيطان لا سبيل له على المتقين؛ لقوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر:٤٢]؟ والذي أريد أن أقوله: إن موسى قتل النفس قبل أن يكون نبياً، وهذا كفيل بإزالة الإشكال، وأهل الجاهلية منهم الصالح ومنهم الفاسد، وعلى أي حال فـ ابن كثير رحمه الله قد نقل الخلاف في هذه القضية، والذي ترجح لدى القرطبي وغيره: أن قتل النفس كان قبل البعثة، وأنه لم يرتكب نبي كبيرة قط بعد بعثته، وهذا الذي يترجح لدي؛ لإجماع أهل السنة والجماعة على ذلك؛ لأنكم تعلمون أن الأنبياء معصومون في تلقي الوحي، وفي تبليغ الوحي، ومعصومون من الكبائر، وليسوا كذلك فيما يتعلق بالصغائر، وهذا مذهب أهل الحق.
وانظر إلى كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أما قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر:٤٢]، أي: الذين استخلصهم الله لدينه، ليس لإبليس عليهم سلطان أن يضلهم في دينهم أو عبادة ربهم، لكن يصيب منهم من قبل الذنوب.
أما الشرك فلا يقدر إبليس أن يضلهم عن دينهم؛ لأن الله تعالى استخلصهم لدينه وعبادته.
وأما قول موسى:{مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[القصص:١٥]، أي: من تزيين الشيطان، كما زين ليوسف ولآدم وحواء وهم عباده المخلصون؛ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.