[الأحاديث الواردة في نفاق الرياء والمنافقين من القراء]
قال: [قال عمر: (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أخوف ما أخاف عليكم منافق عالم اللسان، وفي رواية: (منافق عليم اللسان)] يعني: أنه فصيح وبليغ، يتكلم بكلام أحلى من العسل حتى يأخذ تلابيب القلوب.
قال: (يجاء بالرجل يوم القيامة يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه) أي: تنزل أمعاؤه في النار أمامه.
(فيدور به كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه الناس فيقولون: يا فلان! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)، فهذا جزاؤه يوم القيامة.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان) يعني: إنساناً فصيحاً وبليغاً.
[وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر منافقي أمتي قراؤها)]، يقصد بالنفاق هنا شعبة الرياء؛ لأن الرياء شرك أصغر، وهو باب من أبواب النفاق العملي.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (أكثر منافقي أمتي قراؤها)؛ لأن القراء هم أصحاب الفضل، وإنما يزينون بعلمهم وقراءتهم ما عندهم من علم يستعطفون بذلك الناس ويستدرون مدحهم وأموالهم، لكنهم في حقيقة الأمر لا يبتغون بهذه القراءة ولا بهذا العلم وجه الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أول من تسعر بهم جهنم ثلاثة: مجاهد، وعالم، وجواد)، وقد ذكر هؤلاء الثلاثة لأنهم أصحاب الفضل، والناس يتطلعون إليهم، بل هم الذين يحرصون على حسن الثناء والذكر الجميل بين الناس، بخلاف غيرهم فإنهم لا يحرصون على ذلك أصلاً.
فعامة الناس لا يحرصون على الثناء، وإنما الذي يحرص على الثناء رياءً وسمعة هو صاحب الفضل، ولذلك يجاء بهم يوم القيامة فيكونون أول الداخلين في النار حتى تسعر بهم، ويكونون هم وقود النار.
فيجاء بهم يوم القيامة، حتى يقف هذا المجاهد بين يدي الله عز وجل وبعد أن يعرفه الله تعالى نعمته عليه يقول: ماذا فعلت فيها؟ يقول: يا رب! جاهدت فيك.
فيقول: كذبت، بل جاهدت ليقال مجاهد، بل أنفقت ليقال جواد، بل تعلمت العلم ليقال عالم، فيؤمر بهم فيسحبون على وجوههم، حتى يلقوا في النار ولا كرامة، نسأل الله السلامة.
قال الشيخ عبيد الله بن محمد وهو المعروف بـ ابن بطة: [فإن سأل سائل عن معنى هذا الحديث: (أكثر منافقي أمتي قراؤها) وقال: لم خص القراء بالنفاق دون غيرهم؟ فالجواب عن ذلك: إن الرياء لا يكاد يوجد إلا فيمن نسب إلى التقوى]، يعني: الرياء دائماً ينسب لأهل التقوى؛ لأنهم في حاجة إليه.
قال: [ولأن العامة والسوقة قد جهلوه]، أي: لا يعرفون التقوى.
[والمتحلين بحلية القراء قد حذقوه]، أي: صاروا فيه مهرة.
[والرياء هو النفاق، لأن المنافق هو الذي يسر خلاف ما يظهر، ويسر ضد ما يبطن، ويصف المحاسن بلسانه ويخالفها بفعله، ويقول ما يعرف، ويأتي ما ينكر، ويترصد الغفلات لانتهاز الهفوات.
وقال ابن المبارك رحمه الله: هم الزنادقة؛ لأن النفاق على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام هي الزندقة فيمن كان بعده].