[وعن أنس بن مالك قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه له أجر خمسين منكم)، حتى أعادها ثلاث مرات].
وهذا الحديث ضعيف، وربما يكون فيه شيء من النكارة؛ لأن الواحد منا مهما عمل ومهما بلغ عمله، فإنه لا يمكن أن يؤدي معشار ما أداه واحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال في الصحيح:(لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
والحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والترمذي [وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر)].
وهو حديث عظيم جداً، إن لم يكن يتناسب مع واقع المسلمين اليوم فهو على أي حال يكاد ينطبق على حالهم غداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)، أي: لا يأتي عليكم زمان ولا يوم ولا عام ولا شهر ولا أسبوع إلا والذي بعده شر منه.
فهذا الحديث فيه إيحاء بفضيلة من تمسك بدينه في هذا الزمان والأزمنة المتعاقبة التي تتلو هذا الزمان، وأن المتمسك القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار، والذي يقبض على جمرة من نار يوشك أن تحرقه أو تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، وهكذا القابض على دينه في هذا الزمان، ويكفي أنهم الغرباء، والكثرة الكاثرة غالباً ليست الغريبة، وإنما الغريب هو القليل النادر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(بدأ الإسلام غريباً)، أي: بدأ وظهر الإسلام في ثلة مؤمنة عظيمة، لكنها قليلة في وسط قوم وأمة تعج بالفساد والشرك وعبادة الأصنام والأوثان.
ولذلك اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بأنه شاعر، وأنه مجنون، وأنه ساحر، وأنه تعلم هذا من كتب السابقين، وغير ذلك من الشبه، وإن شئت فقل: افتراءات وكذبات قد ورد الرد عليها في كتاب الله عز وجل، إذ إن الله تبارك وتعالى قد رد وذب عن نبيه أيما رد وذب، وهنا إثبات الغرابة في أول أمر الإسلام، ثم بعد ذلك تنقض عرى الإسلام عروة عروة حتى يترك الناس دينهم أو جل دينهم، فإذا قامت فئة فتمسكت بالدين ظاهراً وباطناً أصولاً وفروعاً؛ كانوا هم الغرباء؛ لأنهم يحيون في الناس سنناً قد ماتت عندهم، وفرائض قد أهملوها، ولذلك يقول عنهم المجتمع الكثير: إنهم غرباء، وإنهم شواذ، وإنهم فئة قليلة، لكنها تغلب فئة كثيرة بإذن الله.