[قوله تعالى:(ونحشره يوم القيامة أعمى) وقوله تعالى: (فبصرك اليوم حديد)]
المسألة السادسة عشرة: قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا}[طه:١٢٤ - ١٢٥]، أي: كنت أبصر بعيني في الدنيا، فلم حشرتني هنا أعمى؟ وقال في آية أخرى:{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:٢٢]، فكيف يحشره الرب أعمى؟ وكيف يثبت أن بصره في ذلك اليوم حديد؟ قالوا: كيف يكون هذا من كلام الله المحكم؟ فشكوا في القرآن لأجل ذلك.
قال الإمام: قوله تعالى: ((وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى))، أي: أعمى عن حجته؛ لأن العمى نوعان: عمى البصر، وعمى البصيرة، وعمى البصيرة أشد من عمى البصر، فعبر الله عز وجل عن عمى البصيرة في يوم القيامة بالعمى.
وقال:((رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى))، أي: لم حشرتني أعمى عن حجتي، وقد كنت بصيراً بها، أي: بحجتي، مخاطباً بها؛ فذلك قوله:{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ}[القصص:٦٦]، أي: ضلت عنهم، والأنباء هي الكتب، فهم لا يتساءلون.
وأما قوله:{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:٢٢]، ذلك أن الكافر إذا قرب من قبره شخص ببصره، ولا يصرف بصره قط حتى يعاين جميع ما كان يكذِّب به من أمر البعث.
فلما عاين ببصره الذي ركبه الله تعالى فيه على نحو معين يدرك به الحقائق التي كان يكذب بها؛ قال تعالى:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}[ق:٢٢]، أي: بعد أن عاين الكافر ما كان يكذِّب به؛ قال الله تعالى كالمبكِّت له:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:٢٢]، أي: كشفنا عنك غطاء الآخرة، فبصرك حديد لا يصرف حتى تعاين وترى جميع ما كنت تكذب به من أمر البعث؛ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.