[ما روي عن زيد بن أسلم وأبي صالح وسعيد بن عبد العزيز وأبي حازم في القدر]
قال: [عن زيد بن أسلم قال: والله ما قالت القدرية كما قال الله، ولا كما قالت الملائكة، ولا كما قال النبيون، ولا كما قال أهل الجنة، ولا كما قال أهل النار، ولا كما قال أخوهم إبليس.
قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩].
وقال الملائكة: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:٣٢].
وقال شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف:٨٩].
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣].
وقال أهل النار: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:١٠٦]] أي: التي كتبتها علينا في اللوح المحفوظ.
ثم قال: [وقال أخوهم إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:٣٩]]، فإبليس يعترف بأن الغواية بيد الله عز وجل، والقدري يقول: لا، نحن إذا شئنا أغوينا، وإذا شئنا أرشدنا، يعني: أن الغواية بأيدينا.
قال: [عن أبي العالية في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف:٢٩] قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:٣٠].
وعن أبي صالح في قوله: {يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف:٣٧] قال: نصيبهم من العذاب] أي: العذاب المذكور في الكتاب.
[وعن سعيد بن عبد العزيز: لما نزلت: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:٢٨] قال وأبو جهل لعنه الله: الأمر إلينا] أبو جهل مع أنه فصيح أضله الله وأعماه عن المراد، والله عز وجل يقول: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩]، فظاهر الآية أن الله عز وجل يخيرنا بين الإيمان والكفر، لكن ليس هذا هو المراد، بل المراد من ذلك التهديد والوعيد، فالحق واضح والباطل واضح، فالذي يريد أن يختار يختار، مع أنه لا يختار إلا بقدر.
قال: [لما نزلت: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:٢٨] قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فنزلت: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩]].
فأهل البدع أخذوا أول الآية وتركوا آخرها، فنقول لهم: إما أن تأخذوا آخرها مع أولها، وإما أن تتركوا النص كله، وقد صنف في قضايا الإيمان والكفر في هذا الزمان أناس، ولم ينصفوا فيما كتبوا؛ فإنهم أخذوا من الآيات ومن أقوال أهل العلم ما يوافق مذهبهم الذي يذهبون إليه، وهذه هي طريقة أهل البدع، مع أن هؤلاء الكتاب ليسوا من أهل البدع.
قال: [عن أبي حازم قال: إن الله عز وجل علم قبل أن يكتب، وكتب قبل أن يخلق].
أي: علم سبحانه ما العباد عاملون، وما هم إليه صائرون، فالعلم والكتابة أسبق من العمل والعامل لها، علم سبحانه ذلك بالعلم الأزلي السابق.
ثم قال: [فمضى الخلق على علمه وكتابه].
يعني: جرى من الخلق أعمال الخير والشر التي علمها الله تعالى منهم، فكتبها في اللوح المحفوظ.
[وعن الحسن بن محمد بن علي قال: لا تجالسوا أهل القدر.
وقال حماد: ولا أعلمني إلا قد سمعته من ثابت مراراً أن الحسن بن علي كان يقول: قضي القضاء، وجف القلم، وأمور تقضى في كتاب قد خلا].
يعني أن كل الذي يعمله العباد ما هو إلا ترجمة عملية لعلم الله السابق، وكتابة هذا العلم في اللوح المحفوظ.
أقولي قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.