[المرء على دين خليله وجليسه]
وعن الأعمش قال: كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث: ممشاه، ومدخله، وإلفه من الناس].
يعني: إذا عرفوا عن الرجل مع من يمشي؟ ومع من يأكل؟ ومع من يخرج؟ ومن هم أصحابه وأصدقاؤه؟ إذا كان يمشي، ويصادق ويصاحب أصحاب الاستقامة، وأصحاب السنة؛ فإنه لا يسأل عنه؛ لأن المعلوم يقيناً أنه من أصحاب السنة.
[وكان الأوزاعي يقول: من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته]، يعني: أن الذي يحاول من أصحاب البدع أنه يخفي بدعته فإنه أصحابه هم الذين يخبروننا عنه.
[وقال يحي بن سعيد القطان: لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح -والربيع بن صبيح كان قد رمي بشيء من الإرجاء أو القدر، فجعل سفيان ينظر في الأمر الربيع وقدره عند الناس- فسأل: أي شيء مذهبه؟ قالوا: مذهبه إلى السنة، قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري].
أي: لما كانت صحبته وألفته مع أصحاب القدر فإنه قدري وإن زعم أنه سني.
قال: [رحمة الله على سفيان الثوري؛ لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان، ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:١١٨].
وقال الأصمعي: سمعت بعض الفقهاء يقول: إذا تلاحمت بالقلوب النسبة؛ تواصلت بالأبدان الصحبة].
قال الشيخ: [وبهذا جاءت السنة] أي: كما في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
وقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
[وعن ثابت أن ابن مسعود قال: لو أن الناس جمعوا في صعيد واحد كلهم مؤمنون وفيهم كافران، تآلف أحدهما إلى صاحبه، ولو أن الناس كلهم اجتمعوا في صعيد واحد كلهم كفار وفيهم مؤمنان؛ تألف أحدهما إلى صاحبه].
لأنها أرواح تطير وتهفوا فيقع بعضها على بعض، ولذلك فإن أصحاب المعاصي يحبون أن يمشوا لمع بعضهم، وأصحاب الطاعة يحبون أن يمشوا مع بعضهم، وكلنا نحب أن يكون أبناؤنا من أهل الطاعات، ويصادقون أصحاب الطاعات، فصاحب المعصية لو مشي مع خليله أعانه على المعصية، ولو يمشي مع مؤمن طائع ففي كل حين يسمع منه: هذا حرام، حلال، توجيه، تقريع، نصح، مراقبة.
إذاً: فصديقك الحق هو من صدقك لا من صدّقك، فعندما تعمل عملاً غلطاً يذكرك، وعندما تنسى الله يذكرك، وإذا ذكّرته قبل منك، وهذه هي الصحبة التي ينبغي على كل منا أن يعض عليها بالنواجذ لنفسه ولإخوانه.
[وعن ابن مسعود قال: الأرواح جنود مجندة، تلتقي تتشاءم كما تتشاءم الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف, ولو أن مؤمناً دخل مسجداً فيه مائة ليس فيهم إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل مسجداً فيه مائة ليس فيهم إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه].
قال الشيخ: [هكذا قالت شعراء الجاهلية، كما قال طرفة: تعارف أرواح الرجال إذا التقوا فمنهم عدو يتقى وخليل وقال الفضيل بن عياض: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي ويصادق صاحب بدعة إلا من النفاق]، أي: إلا على جهة النفاق.