[حديث: (عمل قليل في سنة)]
قال: [قال سعيد بن جبير في قول الله تعالى: {وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢]، قال: لزم السنة والجماعة]، (وَعَمِلَ صَالِحًا): أي: على منهاج النبوة، ((ثُمَّ اهْتَدَى)): أي بانخراطه في جماعة المسلمين والسواد الأعظم مع الناس.
[وعن الحسن البصري رحمه الله قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عمل قليل في سنة خير من كثير في بدعة)]، وهذا الحديث من جهة الرفع غير صحيح، وإنما ثبت موقوفاً من قول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة: (عمل قليل في سنة خير من اجتهاد كثير في بدعة).
ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أحسن العمل أدومه وإن قل) يعني: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً، شخص تأتيه الجلالة والنشوة في ليلة من الليالي فيقول: أنا من هذه الليلة سأقوم الليل، ثم يمسك المصحف بيده، ويصلي ثمان ركعات أو إحدى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة نصف جزء أو ربع جزء، وبعد ذلك في الفجر لا يستطيع أن يتحرك ولا يتكلم، فإذا به ينام وهو ساجد، وتفوته صلاة الصبح وصلاة الظهر وصلاة العصر، ويوقظونه بعتلة بعد العصر! إنما كان يكفيك حينئذ ركعتان ثم ركعتان ثم ركعتان حتى تتعود على ذلك.
في كلية التجارة تقول منكراً: أربع سنوات في سنة؟! فإذا كان هذا التدرج في عمل الدنيا، فمن باب أولى أن يكون التدرج في عمل الآخرة؛ حتى يكتب لك الاستخلاف وأسباب النجاح، أما أن تقفز السلم قفزة واحدة فلابد أن تقع في الأرض، ثم لا يهيأ لك قفز السلم مرة أخرى في حياتك نهائياً؛ فخير العمل أدومه وإن قل.
ولذلك قال غير واحد من السلف: (عمل قليل في سنة)، أي: المحافظة على السنة وإن كان بقدر يسير (خير من أن تكون رأساً في البدعة)، يعني: عندما تكون تابعاً لسنة خير من أن تكون متبوعاً في بدعة، لكن ضعاف النفوس ومرضى القلوب لا يستريحون حتى يتصدروا في المجالس، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد تحذير.
قال: (من تعلم العلم ليجادل به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو ليتصدر به المجالس، فالنار النار) يعني: مصيره إلى النار.
فيا حسرة عبد عمل فيما يراه الناس عملاً صالحاً، فتراه يطحن نفسه بالليل والنهار ولكنه غير مخلص في هذا العمل، ثم لا يكون له في الدنيا ولا في الآخرة حظ من هذا العمل.
عبد لا يكاد يغمض له جفن؛ لأنه يعمل عملاً الأصل فيه أنه لله فيعمله لغير الله، لكنه يوهم العامة أن هذا العمل لله، ثم لا يكتب له القبول في الأرض، ولا يستر عليه يوم القيامة، بل يفضحه الله على رءوس الخلائق.
هذه مصيبة كبيرة، إذ يحدث هذا الشخص فتنة في الدين، ومشاكل مع أبيه وأمه، ومشاكل مع الإخوة، ومشاكل مع الشيوخ والعلماء والدعاة، لم يترك أحداً إلا وآذاه، كل هذا من أجل أن يشار إليه بالبنان.
يقول: أنا رجل صاحب دين، أمار بالمعروف نهاء عن المنكر، والله يعلم ما هو فاعل، إذ لا يخفى عليه سر سبحانه وتعالى، يؤتى به يوم القيامة بعد التعب والنصب في الدنيا فلا يجد له عملاً ألبتة، فلم التعب في الدنيا؟ إن أبا علي الأبار تعين للفتيا واشترى كتباً، وحف الشارب، وكأنه يقول: اسألوني، فقالوا له: ماذا تقول في أصحاب الحديث، الذين هم الطائفة الناجية المنصورة؟ قال: ليسوا بشيء، ولا يساوون شيئاً! سبحان الله! لا يهدأ له بال حتى يغتاب كل أحد؛ ليقال: فلان عالم، فلان رئيس، فلان زعيم، وهذا كله من الغدر بالنفس، فالمرء يغدر بنفسه، وإذا غدر بغيره ينصب له لواء يوم القيامة على رءوس الأشهاد، ويقال: هذه غدرة فلان، فما بالكم بالذي يغدر بنفسه، ويمكر بنفسه ويظلم نفسه؟!