[قوله تعالى: (ما سلككم في سقر) وقوله تعالى: (فويل للمصلين)]
المسألة الثالثة: قوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣]، وقال في آية أخرى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤].
فقالوا: إن الله قد ذم قوماً كانوا يصلون، فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤]، وقال في قوم: إنهم إنما دخلوا النار لأنهم لم يكونوا يصلون؛ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
وانظروا إلى أهل البدع كيف يشككون في القرآن؟! وما علموا أن قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤] مرتبطة بما بعدها، لكنهم أخذوها فقط، فقالوا: الصلاة إما مذمومة وإما ممدوحة، فقلنا: هي ممدوحة، فقالوا: فلم يقول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤]؟ ووقفوا عند هذه الآية، ولم يذكروا قوله بعدها: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٥]، وإنما اجتزءوا من السورة هذه الآية فقط! و (ويل) هو وادٍ في جهنم كما هو معلوم من أقوال كثير من المفسرين.
ثم قالوا: إذا كانت هذه الصلاة ممدوحة فلم جعل الله تعالى للمصلين الويل، وإذا كانت كذلك فلم جعل الله تعالى لهم دركة من دركات النار وهي وسقر، فقال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣].
فقالوا: الله تعالى عذب المصلين في كل الأحوال، فإما أن يدخلهم سقر؛ لأنهم لم يصلوا، وإما أنه أدخلهم الويل لأنهم كذلك قد صلوا، فيقولون: هذا ليس من الكلام المحكم لله عز وجل.
وهذه طريقة أهل البدع دائماً، أي: أن طريقة أهل البدع الخيانة في العلم، وترك الأمانة في العلم، فإذا أرادوا أن يستدلوا لشبهتهم ولأهوائهم بدليل من الكتاب أو من السنة، أو حتى من أقوال أهل العلم؛ إنما يأخذون من الكلام ما يتفق مع بدعتهم ولو في الظاهر، ويتركون سياق الكلام الذي يخدم القضية برمتها.
فقال الإمام: أما قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤]، فعنى بها المنافقين، {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٥]، أي: يؤخرون الصلاة حتى يذهب وقتها.
قال: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون:٦]، أي: إذا رءوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا، فهم لا يصلون إلا رياءً وسمعة.
وأما قوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣]، أي: من الموحدين المؤمنين.
فهذه ردود على هذه الشبهة.