[تفسير بعض السلف لآيات في القدر]
قال: [وعن مجاهد في قول الله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢] وما أورثوا من الضلالة، {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:١٢] قال: في أم الكتاب].
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: هذه الآية تقضي على القرآن كله، ومعنى تقضي على القرآن كله أي: تحكم على ما ورد في القرآن في باب القدر، فهي قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧].
قال: [وقال عبد العزيز بن رفيع عمن سمع عبيد بن عمير: قال آدم عليه السلام: يا رب! أفرأيت ما أتيت؟ أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي، أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال: لا.
بل شيء قدرته عليك من قبل أن أخلقك، قال: أي رب! فكما قدرته علي فاغفر لي.
فذلك قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧]]، سبحانه وتعالى.
لكن لا يجوز لأحد أن يحتج بالقدر على المعصية كما قلنا من قبل، فتراه يفعل ما يشاء من المعاصي، وينتهك الحرامات ثم يقول: أليس كل شيء بإرادة الله ومشيئته؟ فأنا سأزني وأسرق وأقتل وأشرب الخمر وأفعل ما يقدره الله عز وجل علي، وليس في ذلك عتب ولا ملامة؛ لأن كل شيء يقع بقدر الله وإرادته.
نقول: نعم.
نحن نؤمن ببعض هذا الكلام ونكفر ببعض، نؤمن بأن الطاعة والمعصية بقدرة الله تعالى ومشيئته، وأنه لا يكون في الكون إلا ما قدره الله تعالى وشاءه، ولكننا نكفر بالقول الثاني وهو: جواز الاحتجاج بالقدر على المعصية؛ لأن آدم عليه السلام ما احتج بالقدر على معصية إلا بعد أن تاب منها.
شخص في هذا الوقت وقع في ذنب، ثم تاب من هذا الذنب بقيام الحد عليه مثلاً، أو بتوبة صادقة بينه وبين الله، أو برد المظالم إلى أهلها، ودائماً ضميره يؤنبه، ومعنوياته الإيمانية دائماً تلومه، حتى ظن أن الله لن يغفر له ذلك الذنب، والله تعالى يقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٧٠]، فتاب هذا الشخص من هذا الذنب، ورد المظالم إلى أهلها، وعزم على ألا يرجع إلى هذا الذنب أبداً عزماً أكيداً صادقاً بينه وبين الله، وفعلاً له عشرون سنة لم يرجع إلى هذا الذنب، وهذا دليل على صدق التوبة، ودليل على أن الله تعالى قد غفر له ذنبه، ووعد الله لن يخلف؛ فحينئذ أقول لك: لا تستيئس بما وقع منك آنفاً، فإنه ما وقع إلا بقدر الله عز وجل وإرادته ومشيئته، وكان لابد أن تراه وأن ترتكبه وأن تتلبس به، وشيء عظيم جداً أن يمن الله عز وجل عليك بالتوبة من هذا الذنب وبغيره من الذنوب، حينئذ الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة أمر جائز، وهذا ما فعله آدم عليه السلام، أما أنني أراك على معصية وذنب، وأقول لك: اعمل ما تريد، فكل شيء بقدر الله، وإذا لم يكن هذا مكتوباً لما فعلته؛ فهذا ضلال مبين جداً.
فلا نحتج بالقدر على المعصية إلا بعد التوبة الصادقة أو قيام الحد.
قال: [وعن مجاهد: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠] قال: علم إبليس المعصية وخلقه لها]، يعني: علمه كيف يعصي وخلقه لها.
قال: [فاعلموا -رحمكم الله- أن من كان على ملة إبراهيم وشريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن كان دينه دين الإسلام، ومحمد نبيه، والقرآن إمامه وحجته، وسنة المصطفى نوره وبصيرته، والصحابة والتابعون أئمته وقادته، وهذا مذهبه وطريقته، وقد ذكرنا الحجة من كتاب الله عز وجل؛ ففيه شفاء ورحمة للمؤمنين وغيظ للجاحدين].