قد حكى غير واحد إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين على ذلك، ومن هؤلاء الإمام الشافعي، فقد حكى الإجماع على أن الإيمان قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، وكذلك البغوي، قال ابن تيمية في كتاب الإيمان من مجموع الفتاوى نقلاً عن الإمام الشافعي رحمه الله: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعده ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر، أي: إلا مع الآخر، فكيف يقال لمن ترك العمل بالكلية أو ترك عملاً أثبت النص أن تاركه كافر أو انعقد الإجماع عليه إنه مؤمن؛ لأن الضابط لمسائل الإيمان والكفر هو النص أو الإجماع.
وقال البغوي في شرح السنة: اتفقت الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان، لكن منها ما هو أصل في الإيمان، ومنها ما هو في الإيمان الواجب، ومنها ما هو في الإيمان المستحب.
قال: وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة، وكذلك نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك، فقال في التمهيد: أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، بل أصبح هذا مما يميز أهل السنة والجماعة عن أهل البدع، فإذا كان هذا من الأمور المقطوع بها وهي محل إجماع السلف، فكذلك من المقطوع به عندهم أن من الأقوال والأعمال ما هو كفر أكبر؛ لأنه في الحقيقة محفوظ عند الإخوة أن الكفر كفران: كفر أكبر وكفر أصغر، أما الكفر الأكبر فهو المتعلق بمسائل الاعتقاد، وأما الكفر الأصغر فهو المتعلق بمسائل العمل، وهذا الإطلاق يحتاج إلى نظر، بل من مسائل الاعتقاد الصغيرة ما لا يكفر بها قائلها، ومن مسائل العمل الكبيرة ما يكفر بها فاعلها.