[التعليق على قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان)]
قال: [أما ترى كيف أعلمنا أن السحر كفر، وأنه أنزله على هاروت وماروت]؟ إذاً: من الذي أذن في وجود الكفر في الكون؟ الله عز وجل، وهل يكون في الكون شيء على غير مراد الله؟ أي: هل ممكن أن يكون هناك شيء في الكون رغماً عن الله عز وجل؟ لا يمكن حاشى لله عز وجل.
قال: [وجعلهما فتنة ليكفر من كتبه كافراً بفتنتهما، وأن السحر الذي يعلمانه الناس كفر، وأنه لا يضر أحداً إلا من قد أذن الله أن يضره السحر].
أي: ممكن أن يسحر ساحر امرأ فلا يضره ولا يأتي مفعوله؛ لأن العبد قد تحصن بالأذكار والأوراد والقرآن والذكر وغير ذلك، ويمكن أن يكون المرء من أذكر الناس لله عز وجل، ومع هذا يصاب بالسحر ويصاب بشتى أنواع البلاء؛ لأن السحر نوع من أنواع البلاء ينزل بالعبد، كيف لا وقد سحر النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أذكر الخلق لله عز وجل، وأكثرهم تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً صلوات ربي وسلامه عليه، ليرفع الله به درجاته، ثم ليجعله أسوة وقدوة للخلق.
نعم قد سحر النبي عليه الصلاة والسلام، وقد أثر فيه السحر، حتى أنه كان يهيأ إليه أنه قد أتى امرأته ولم يأتها، وغير ذلك مما أصاب النبي عليه الصلاة والسلام، مما ينكره أتباع المدرسة العقلية في هذا الزمان، وهم أذناب العقلانيين أو المعتزلة في القديم، ولكن هذا الحديث ثابت في الصحيحين فلا نرده بالعقل، فالسحر لا يضر أحداً إلا إذا أذن الله عز وجل في وقوع الضرر بالمسحور.
قال: [وذلك عدل منه سبحانه وتعالى.
وقال الله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات:١٦٣]].
أي: إلا من كتب عليه أن يدخل فيها، وأن يصلى بنارها، وأن يتقلب فيها، نسأل الله العافية لنا ولكم.
قال: [قال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت:٢٥].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف:٣٦].
والذي يقيض هو الله عز وجل، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:٣٦ - ٣٧].