قال:[فكل أحد يسعى في رزق مقسوم، وعمل محتوم إلى أجل معلوم]، أي: أن كل أحد يسعى إلى رزق مقسوم الله تعالى قسمه وعلم ذلك، لكن لا بد أن تسعى، وقديماً قال السلف: الاعتماد على الأسباب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، فلو مرض أحدنا ثم ذهب إلى الطبيب، واعتقد أن هذا العلاج هو الشافي، فهذا شرك مع الله عز وجل، إذ إن العلاج سبب لحصول الشفاء وليس هو الشفاء، أو ليس هو الشافي، لأن الشافي هو الله عز وجل.
أيضاً: واحد يظن أن هذا الطعام الذي يأكله هو الشبع بعينه، لا، إذ الطعام سبب للشبع، والشراب سبب للري، ولذلك اثنان أحدهما يأكل أكثر من الآخر، أو يأكل أضعافه ولا يشبع، كأن يقعد على المائدة فيأكل عشر دجاجات ويقوم وهو مقهور، والآخر يأكل في أول الطعام نصف رغيف فيشبع، بل ولا يجد له مسلكاً أو موضعاً.
إذاً: الطعام سبب، أما أنه يحصل به الشبع مجرداً فلا، إذ إن هذا بقدرة الله عز وجل، ولذلك المريض يقعد أسبوعاً وأسبوعين لا رغبة له للطعام والشراب، ولا يريد أحداً أن يرغمه على الأكل، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإنما يطعمهم الله تعالى ويسقيهم).
وقول السلف: وترك الأسباب قدح في التوحيد.
فلو أن مريضاً ذهب إلى الدكتور وصرف له علاجاً، ثم قال: هذا العلاج هو الشافي، فقلت له: أنت بهذا تكون مشركاً، لكن لو أن المريض لم يذهب إلى الدكتور أبداً، وأقعد في المرض حتى مات، فإن هذا قدح في التوحيد، إذاً ما المطلوب مني؟ مطلوب مني أن أقول: الخير كله من عند الله عز وجل، والذي بيده الخير والشر هو الذي أمرني بالسعي والبحث.
كذلك: آخر يقول: الله ربنا قادر على كل شيء، قادر من جهة القدرة أن يرزقني ولداً بغير زوجة، إذ إنه خلق عيسى عليه السلام بغير أب، وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهذا دليل القدرة، ونحن لسنا في حاجة إلى دليل لقدرة الله عز وجل؛ لأننا نعتقد أن الله على كل شيء قدير بغير نماذج ولا أمثلة، لكن الله تعالى أعطانا نماذج حتى تكون نبراساً لنا، لكن هذا الرجل قاعد ومعه فلوس ولا يعمل شيئاً، فإذا قلت له: تزوج يا فلان، قال: لا، وبعد الصلاة قعد في البيت يقول: يا رب! ارزقني الولد الصالح! كيف يرزقه الولد الصالح وهو لم يتزوج بعد؟! يقول: الله قادر على كل شيء! إذاً: ترك الأسباب قدح في التوحيد، أي: من توحيد الله عز وجل أن تسعى لتحصيل أسباب الحياة، فمن أجل الولد لا بد أن تسعى في الحصول على زوجة، ومن أجل الشبع والري لابد أن تسعى في الحصول على الطعام والشراب، ولا تقول: يا رب! أشبعني! وأنت لم تتناول الشراب أو الطعام، وتقول: أنا لا آكل ولا أشرب؛ لأن ربنا قال:{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:٧٩]! وقد يقولون: العمل شرك بالله! مع أن الأنبياء كانوا يعملون، وربنا أمر المؤمنين بالعمل، وليس هناك آية في كتاب الله عز وجل إلا وجمعت بين الإيمان والعمل، آمنوا وعملوا، فالعمل من الإيمان.
لذا فلا يصح لأحد أن يقول: أنا أترك العمل لأنه شرك! إن ترك العمل وترك الأسباب قدح في التوحيد، أنا ممكن أن أشتغل كل النهار، ثم يأتي إلي رب العمل فيضحك علي، وما أكثر الذين يضحكون على الناس، ثم في الأخير يعطيك خروجاً نهائياً من بلده، لكن على أية حال أنت قد شرعت في الأخذ بالأسباب، والله تعالى حينئذ لا يضيعك، بل يفتح لك أبواباً أخرى أفضل من الأبواب التي أغلقت؛ لأن كل الأبواب بإذن الله تعالى وبيديه سبحانه وتعالى، فربما فتح لك وأغلق على من أغلق عليك حقك، لأن كل هذا بيد الله سبحانه وتعالى، فحينئذ يجب على العبد أن يسعى في تحصيل أسباب الحياة وأسباب الطاعة، لكن أنت تقول: أنا لا آكل ولا أشرب ولا أتزوج ولا ولا ولا، فربما يصل بك الأمر إلى أن تقول: أنا لن أصلي ولن أصوم ولن أزكي ولن أحج، وربنا قادر أن يدخلني الجنة! بل ربنا قادر على أن يدخل شارون الجنة! لكن القادر هو الذي أخبر وبين في كتابه وعلى لسان رسوله أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، إذاً شارون لن يدخل الجنة إذا مات على ما هو عليه، وهو ممكن أن يموت على الإسلام والتوحيد ويصير أحسن مني ومنك؛ لأن ذلك بيد الله عز وجل.
والعجيب أن رجلاً من جنوب أفريقيا كان قد بلغ في التنصير أشده، فمكافأة له عينوه رئيس مكتب البابا الفاتيكان في روما، وقد أسلم منذ أكثر من خمسة وعشرين يوماً تقريباً، فتصور هذا الرجل وقد عين رئيساً للمكتب مكافأة له على مجهوده في التنصير في جنوب أفريقيا وشرق آسيا، وكانت له طائرة معدة خاصة تنقله من مكان إلى مكان، ومن دولة إلى دولة؛ لفرط نشاطه ومجهوده الخارق الذي يبلغ مجهود أمة، وفي يوم أن أسلم أسلم معه ثلاثون ألفاً من جنوب أفريقيا، وقد اطلعت على دعوته القساوسة والعمد الذين هم رءوساء القرى في جنوب أفريقيا، فإذا بها دعوة بسيطة جداً يستطيع أن يدعو بها أي مسلم حتى وإن لم يكن له كثير حظ من علم، فقد كان يذهب للملك أو العمدة أو شيخ القبيلة أو الق