للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال السلف في تفاضل أهل الإيمان فيه]

قال: [وقال محمد بن علي: هذا الإسلام -ودور دائرة كبيرة- ثم قال: اعتبروا أن الإسلام هو هذه الدائرة الكبيرة -ودور دائرة في وسطها أصغر منها- ثم قال: وهذا الإيمان، فإذا سقط المرء من هذه الدائرة الصغيرة التي هي دائرة الإيمان استقر في الدائرة الكبيرة التي هي دائرة الإسلام].

والإسلام لا بد أن يكون معه أصل الإيمان.

قال الشيخ ابن بطة: [وهذا القول من أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه من أوضح الدلائل وأفصحها على زيادة الإيمان ونقصانه، وذلك أن الإيمان يزيد بالطاعات فيحصنه الإيمان، وينقص بالمعاصي فيحرق الإيمان، ويكون غير خارج من الإسلام، وذلك أن الإسلام لا يجوز أن يقال فيه يزيد وينقص]؛ لأن الإسلام لا يتصور فيه الزيادة ولا النقص، إنما الزيادة والنقص في الإيمان.

[قال ابن عيينة: الإيمان يزيد وينقص.

فقال له أخوه وهو إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد! لا تقولن يزيد وينقص، فغضب وقال: اسكت يا صبي -وفي رواية: يا غبي- بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وفي رواية قال: ينقص حتى ما يبقى منه مثل هذه، وأشار إلى فرث أنامله].

[وقال لوين: سمعت ابن عيينة غير مرة يقول: الإيمان قول وعمل، قال ابن عيينة: وأخذناه ممن قبلنا وأنه لا يكون قول إلا بعمل، قيل لـ ابن عيينة: يزيد وينقص؟ قال: فأي شيء إذاً؟] إذا كان الإيمان مرتبطاً بالعمل فلا بد أنه يزيد بالعمل.

[وعن الحسن قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ينزع منه نور الإيمان كما يخلع أحدكم قميصه، فإن تاب تاب الله عز وجل عليه)].

[وعن ابن عباس قال: إذا زنى العبد نزع منه نور الإيمان].

إن للطاعة في القلب نوراً، وإن للمعصية في القلب ظلمة، كما قال ابن عباس.

[وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم].

فهذا الكلام يقوله عمر رضي الله عنه، وعمر مع الأمة.

أرأيتم كلام الأقران بعضهم عن بعض؟ فهؤلاء أقران محترمون رباهم النبي عليه الصلاة والسلام، والعلماء يقولون: كلام الأقران يطوى ولا يروى يعني: كلام الأقران بعضهم في بعضهم لا يلتفت إليه ولا يؤبه له ولا يؤمر به، لكن بلا شك أن الكلام الحسن والذكر الجميل أولى بالرواية من هذا التناحر، ولذلك كافأ الله عز وجل عمر رضي الله عنه بقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فيه قولاً عظيماً، قال حذيفة: لئن أعلم أن فيكم مائة مؤمن أحب إلي من حمر النعم وسودها]، يعني: لو كنت أعلم أن فيكم مائة مؤمن كما يريد الله، فهذا أحب إلي من أن تكون لي الأنعام والأبقار وغيرها من أموال العرب.

[فقال: ما بهاجرتنا -أي: قرية هجر- ولا بشامنا ولا بعراقنا مائة]، أي: هذه البلدان كلها ليس فيها مائة مؤمن كامل الإيمان، أي: على أعلى درجات الكمال والتمام.

[فقال: أفيكم رجل لا يخاف في الله لومة لائم، وما أعلمه إلا عمر بن الخطاب؟] أي: علامة الإيمان التام الكامل الذي قد بلغ القمة والنهاية، لو أن المرء بلغ إيمانه ذلك لو وضعوه في النار كما وضع إبراهيم عليه السلام في النار، لا يضره ذلك شيئاً.

حذيفة يقول لهم: أنا لا أعرف أحداً فيكم بهذا الوصف إلا عمر، وهذا حين تأدب عمر مع أبي بكر تأدب الناس معه والجزاء من جنس العمل.

[قال: فكيف أنتم لو قد فارقكم عمر؟ ثم بكى حتى سالت دموعه على لحيته].