للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الوعد والوعيد في كلام العرب]

[قال الأصمعي: كنا عند أبي عمرو بن العلاء فجاء عمرو بن عبيد فقال: يا أبا عمرو! يخلف الله وعده؟ -يعني: هل يمكن أن يخلف الله وعده؟ - قال: لا، قال: أرأيت من وعده الله على عمل عقاباً؟] ولم يقل: أريت من توعده، وهناك فرق بين الوعد والوعيد، فالوعد لا يخلفه الله، وأما الوعيد فتحت مشيئة الله، فإذا توعد الله عبداً على فعل بعقاب فإما أن ينفذ فيه عقابه أو يعفو عنه، ونحن نقول: إن مرتكب الكبيرة يوم القيامة إذا لم يتب ولم يقم عليه الحد؛ أنه في مشيئة الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

فهناك فرق بين الوعد والوعيد، والله لا يخلف الميعاد، أي: لا يخلف الوعد؛ لأن وعده لا يتخلف، وإنما إذا أوعد أو توعد الله عبداً على فعل شر فهو في مشيئته إن شاء أوقعه به، وإن شاء عفا وأصلح سبحانه وتعالى.

فهنا عمرو بن عبيد يقول لـ أبي عمر بن العلاء: هل يمكن أن يخلف الله وعده؟ قال: مستحيل؛ لأن الله قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:٩].

قال له: [أرأيت لو أن الله وعد على عمل عقاباً، وهذا الكلام لا يجوز والأصل أن يقول: أرأيت لو أن الله توعد، فأتي عمرو بن عبيد من الخلط واللبس لديه بين الوعد والوعيد، ولذلك قال له: أرأيت من وعده الله على عمل عقاباً أليس هو منجزه له؟ فقال له أبو عمر: يا أبا عثمان من العجمة أتيت -أي: هذا ليس من كلام العرب، وهذا في اللغة لا يستقيم- لا يعد عاراً ولا خلفاً أن تعد شراً ثم لا تفي به، بل تعده فضلاً وكرماً، إنما العار أن تعد خيراً ثم لا تفي به].

يريد أن يقول له: إنه جاء في كلام العرب أن الواحد إذا وعد خيراً وفى به، ولو تخلف عن الوفاء بالخير والفضل والكرم لكان هذا عاراً في حق الآدمي، فما بالك بالله عز وجل؟! ولله المثل الأعلى، ومن وعد من الخلق شراً فعفا عنه عد ذلك من الكرم، ولا يقال: إنه أخلف الوعد، وهذا كما تقول لابنك: لو لم تذاكر لأضربنك، فلو لم يذاكر ولم تضربه فلن يقول لك: يا من وعدتني وأخلفت! يا من لست قادراً على تنفيذ قولك! بل يعد هذا من كرم أبيه وسماحته، ثم هو بعد ذلك يحاول أن يجتهد في أن يفي بما يرضي والده.

[فقال عمرو بن عبيد لـ أبي عمر بن العلاء: أهذا في كلام العرب؟ -يعني: الفرق بين الوعد والوعيد، وأن الوعد لا يتخلف والوعيد يتخلف موجود في لغة العرب؟ - قال: نعم، قال: أين هو؟ قال قول الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي] فقوله: (وإني وإن أوعدته) أي: توعدته، (أو وعدته) أي: في الخير والفضل، (لمخلف إيعادي) يعني: سوف أتوعده وأخلف هذا الوعيد، (ومنجز موعدي) أي: منفذ وعدي؛ فهذا الفرق بين الوعد والوعيد موجود في كلام العرب، فالوعيد يتخلف أحياناً حسب المشيئة، وأما الوعد فلا يتخلف، وهذا فضل من الله وكرم.