[قوله تعالى:(هذا يوم لا ينطقون) وقوله: (عند ربكم تختصمون)]
المسألة الثانية: قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات:٣٥ - ٣٦].
ثم قال في آية أخرى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}[الزمر:٣١].
ففي الآيتين الأوليين أثبت أنه لا كلام ولا خصومة مطلقاً، وفي الآية الثالثة: أثبت أن الخصومة قائمة، فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟! فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضاً؛ فشكوا في القرآن.
قال الإمام: أما تفسير: {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ}[المرسلات:٣٥]، فهذا أول ما تبعث الخلائق، أي: لا ينطقون ولا يتكلمون بكلمة واحدة، بل هم يدعون ويبعثون من قبورهم، فهذا أول ما جمعت الخلائق على مقدار ستين سنة، فلا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار بين يدي الله عز وجل حتى يقدموا المعذرة، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قول الله تعالى:{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا}[السجدة:١٢]، أي: الآن أبصرنا العذاب وعقلناه؛ فارجعنا إلى الدنيا فإننا سنعمل صالحاً، فإذا أذن الله عز وجل لهم في الكلام فتكلموا اختصموا في ذلك، وذلك قول الله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}[الزمر:٣١]، أي: عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم يقال لهم بعد ذلك:{لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}[ق:٢٨]، أي: انتهت الخصومة الآن، فكل منكم يلوم الآخر ويلقي بالملامة عليه، فإن العذاب مع هذا القول سار، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(من نوقش الحساب عذب).