المسألة الثانية -وهي مترتبة على المسألة الأولى-: إذا كان العمل داخلاً في ماهية الإيمان وفي مسمى الإيمان فلابد أن يتأثر الإيمان بالعمل وجوداً وعدماً.
لماذا؛ لأنكم تعلمون أن الركن هو ما كان داخلاً في ماهية الشيء، والشيء مكون منه، فإذا انعدم الركن انعدم الشيء، وإذا وجد الركن وجد هذا الشيء، فإذا اتفقنا في المسألة الأولى على أن العمل داخل في ماهية الإيمان، فلابد أن نقول بأن العمل ركن من أركان الإيمان، وإذا كان العمل ركناً من أركان الإيمان فلا بد أن الإيمان يتأثر به وجوداً وعدماً.
ولذلك تقرأ لأهل العلم -وسيأتي معنا كلام هؤلاء الأعلام-: أن من ترك العمل كله وأتى المنكرات كلها خرج من الملة بالإجماع، وإذا كان الإيمان لا يتأثر بالعمل -وهو مذهب المرجئة- فكيف يكفر من ترك العمل؟ لابد أنه لا يتأثر بذلك، وهذا الذي حدا بالمرجئة أن يقولوا: إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل؛ لأن الفاسق هو الذي ترك الأمر وارتكب النهي، أي: ترك الأمر الذي يفسق به، وارتكب النهي الذي يفسق به، فإذا كان الأمر كذلك فلابد أن الإيمان لا علاقة له بالعمل.
وعند أهل السنة والجماعة: أن العمل داخل في ماهية الإيمان، وأن الإيمان مكون منه ومن القول والاعتقاد.
إذاً عندنا مكونات الإيمان: قول وعمل واعتقاد، وأضرب لذلك مثلاً: لو أن إنساناً قادر على النطق، فهل يقبل منه الدخول في الإسلام والإيمان دون أن ينطق بالشهادتين، أو يقبل منه أن ينطق بهما في سره؟ لا يقبل؛ لأنه قادر على النطق، أيضاً: لو أن إنساناً نطق بالشهادتين وأتى بكل الأعمال الصالحة وتجنب كل الأعمال السيئة، لكنه لا يعتقد ذلك، فهل يقبل منه ذلك؟ لا يقبل، إذاً كما يكون الكفر بالقول فكذلك يكون الكفر بالاعتقاد.
كذلك: إنسان يشك في الله عز وجل، أو في رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أو في خلق الله للسماوات والأرض، فهل يقبل منه إيمان أو إسلام؟
الجواب
لا يقبل منه ذلك؛ لأن هذا مناف لأصل الاعتقاد، فإذا كنا نكفر هذا بأنه لم يعتقد أو نكفر سابقه بأنه لم ينطق مع القدرة على النطق؛ فكذلك نكفر تارك العمل.