[حرص الصحابة على السؤال عن أمر القدر والعلم به]
قال: [عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر -أي: بعد انتهاء غزوة بدر وهم راجعون إلى المدينة، فقال:- أنعمل لأمر قد فرغ منه أم لأمر نأتنفه؟)]، هذا عمر يسأل النبي عليه الصلاة والسلام، وكأن أمر القدر هذا كان يشغل كل الصحابة؛ ولذلك قال: (يا رسول الله! أنعمل لأمر قد فرغ منه أم لأمر نأتنفه)، فهذا السؤال سأله فوق العشرين صحابي للنبي عليه الصلاة والسلام، فكأن الأمر يشغلهم جداً.
قال [{فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لأمر قد فرغ منه.
قال عمر: ففيم العمل إذاً يا رسول الله؟! فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: كل ميسر لما كتب له وعليه)]، كل ميسر يعني: مهدي لما خلق له، إن كان خلق للنار فييسر لعمل النار، وإن كان خلق للجنة فييسر لعمل الجنة.
قال: [عن طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه قال: (سمعت أبي يذكر أنه سمع أبا بكر الصديق رحمه الله -والأصل رضي الله عنه- وهو يقول: قلت: يا رسول الله! أنعمل على ما قد فرغ منه أو على أمر مؤتنف؟)]، هذا أبو بكر يسأل، ومن قبله عمر، وقد سأل عمران بن حصين، وقد سأل غير واحد من الصحابة.
قال: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل على أمر قد فرغ منه.
قلت: ففيم العمل يا رسول الله؟! قال: كل ميسر لما خلق له).
وعن هشام بن حكيم: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنبتدئ الأعمال -أو- أتبتدأ الأعمال أم قد قضي القضاء؟)]، يعني: هذه الأعمال التي نعملها يا رسول الله! تبتدأ على الله عز وجل، يعني: الله تعالى لا يكتبها علينا إلا بعد أن نعملها، أم قد قضي فيها القضاء من قبل، وعلمها الله تعالى، وعلم ما العباد عاملون وما هم إليه صائرون، فكتب ذلك في اللوح المحفوظ؟ وأنتم تعلمون أن القدرية كان أول ظهورهم في البصرة، فأتى بعض أهل العلم من البصرة، وقالوا: لعله يوفق لنا أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فكان الذي وفق لهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال حميد بن عبد الرحمن: فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا أناس بالبصرة يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف.
ومعنى أنف أي: مستأنف، أي: أن الله لا يعلمه حتى يقع؛ لأجل ذلك كفرهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فسلوك القدرية إنكار العلم وإنكار الكتابة، وأن الله لا يعلم شيئاً إلا بعد أن يكون، ولا يعلم ما يكتبه إلا بعد العمل، ولذلك سأل الصحابة رضي الله عنهم مراراً: (يا رسول الله! أترى ما نحن فيه من عمل، أهذا لأمر قد فرغ منه؟) يعني: أن الله عز وجل كان يعلمه قبل ذلك وكتبه، أم أن ذلك لا يُكتب إلا بعد العمل؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (بل أمر قد فرغ منه، ثم قال: إن الله خلق ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار).
قال: [وعن جابر بن عبد الله: أنه قال: (يا رسول الله! أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نأتنفه؟ فقال: بل لأمر قد فرغ منه، فقال سراقة بن مالك -وهو السائل كثيراً- يا رسول الله! ففيم العمل إذاً؟)]، لماذا نعمل إذا كان العمل كله لأمر قد فرغ منه؟ لأن الله تعالى ما كتبك من أهل الجنة إلا لعلمه أنك تعمل بعمل أهل الجنة، وما كتبك من أهل النار في الأزل إلا لعلمه الأزلي السابق أنك تعمل بعمل أهل النار.
ولذلك سأل شخص الحسن البصري وقال له: يا أبا سعيد! أليس ظلماً أن يقضي الله تعالى لنا بالنار قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: الجنة والنار لمن؟ قال: لله، قال: من خلقهما؟ قال: الله، قال: هل أنت خالق الجنة أو مالكها؟ قال: لا.
قال: هل أنت خالق النار أو مالكها؟ قال: لا.
فقال: المالك في دار الدنيا يدخل داره من يشاء ويصد عنها من يشاء، فلا تستغرب هذا في حق الله تعالى، فإنه يدخل من يشاء الجنة ويدخل من يشاء النار، فهو الذي خلقهما وهو المالك لهما، وهذا كلام عقلي، لكنه على أية حال كلام متين جداً يوافق معنى النصوص.
قال: [عن جابر بن عبد الله: أنه قال: (يا رسول الله! أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نأتنفه؟ فقال: بل لأمر قد فرغ منه، فقال سراقة بن مالك: يا رسول الله! ففيم العمل إذاً؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كل امرئ ميسر لعمله)].