للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطأ مقولة: كل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع من خلف]

كما يطلق الناس شعارات أخرى تحتاج إلى نظر، ومنها أنهم يقولون: (كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف) وهذا كلام محفوظ لدينا جميعاً، لذا لابد أن أقف عند هذا النص فأقول: ماذا تقصد بكلمة السلف؟ إذا كنت تقصد بهذه الكلمة أهل تلك الحقبة الزمنية والقرون الخيرية الأولى فهذا كلام فاسد؛ لأن من هذه القرون: المرجئة والخوارج والمعتزلة والأشاعرة وغير ذلك من الفرق الضالة، إذ إنهم ظهروا في زمن الصحابة رضي الله عنهم.

فالقدرية ظهرت في أواخر عهد الصحابة، والمعتزلة ظهرت سنة (١١٠هـ)، وكانت لها جذور قبل ذلك، والخوارج والشيعة ظهروا في زمن الخلافة الراشدة، فإطلاق لفظة: (السلف) على أصحاب القرون الثلاثة إطلاق يحتاج إلى تقييد.

والسلف هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، أي: المحسنون في اتباعهم لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وللخلفاء الراشدين خاصة من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

أما أهل البدع الذين عاصروهم فليس اتباعهم خيراً، ولذلك هذا الكلام المطلق: (كل خير في اتباع من سلف) يحتاج إلى تقييد، إذ إن كل من سبقك هو سلفك، فالذي مات منذ عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً من أهل العلم هم لنا سلف، ونحن لهم خلف، فنحن يطلق علينا: الخلف، وسلفنا المباشرين بالنسبة إلى سلفهم هم خلف لهم، ولذلك هذا الإطلاق: (كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف) يحتاج إلى ضبط، وضبطه أن يقال: الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع، سواء كان هذا الاتباع في أسلافنا أو فينا أو فيمن يأتي بعدنا إلى قيام الساعة.

والابتداع مذموم مردود على كل من أتى به حتى وإن كان ذلك في زمن الصحابة، لا أقول: إنه جاء من الصحابة مثل هذا، وإنما أقول: ظهرت البدع في زمن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهل يعني ذلك أن هذا الابتداع الذي حصل في زمن السلف أمر محمود وممدوح؟

الجواب

لا، فيكون الذي هو أوثق -على الأقل عندي- أن الخير كل الخير في الاتباع، وأن الشر كل الشر في الابتداع، سواء جاء هذا الخير عن السلف رضي الله عنهم أو عنا أو عمن أتى بعدنا.

وكذلك هذا الابتداع مردود على كل من جاء به، سواء من الأزمنة المتقدمة أو المعاصرة، أو التي ستأتي بعد ذلك إلى قيام الساعة.