للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المؤلفات المخطوطة]

وكان له مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه واطلاعه، عرف منها تسعة عشر مؤلفاً يمكن إرجاع أفضلها إلى مواضيع فقهية، وهي: المناسك أي: في الحج والعمرة، وكتاب الإمام ضامن، وهو نص حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن) أي: الإمام ضامن لأخطاء المأمومين، والمؤذن مؤتمن على الأذان، وأنه لا يؤذن إلا بعد علمه بدخول الوقت، وصنف الإمام ابن بطة في هذه المسألة رسالة فقهية.

وكذلك كتاب: الإنكار على من قضى بكتب الصحف الأولى، والإنكار على من أخذ القرآن من المصحف، وإنما يؤخذ العلم من أفواه المشايخ والعلماء.

وكتاب النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الفجر.

وكتاب تحريم النميمة.

وكتاب صلاة الجماعة.

وكتاب منع الخروج بعد الأذان والإقامة لغير حاجة.

وكتاب إيجاب الصداق بالخلوة، والخلوة: هي الخلوة الشرعية، وهذا يعني أن رجلاً لو خلا بامرأته التي عقد عليها ثم طلقها فلها الصداق كاملاً، والخلوة: هي إرخاء الستر وإغلاق الباب وإن لم يقربها، أما إذا تنازلت أو تنازل وليها عن شيء من الصداق فهذا شيء آخر، إنما للمرأة الحق بأن تطالب بالصداق كاملاً عند تحقق الخلوة.

وفي هذه المسألة نزاع بين أهل العلم، والذي ترجح لدى ابن بطة -وهو الراجح من أقوال أهل العلم- أن المرأة لها الصداق كاملاً إذا خلا بها زوجها قبل الجماع.

وله كتاب فضل المؤمن.

وله كتاب الرد على من قال الطلاق الثلاث لا يقع.

وهذه المسألة محل نزاع بين أهل العلم، والراجح فيها أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحداً.

وله كتاب صلاة النافلة في شهر رمضان بعد المكتوبة، وله كتاب في ذم البخل، وكتاب في تحريم الخمر، وكتاب في ذم الغناء والاستماع إليه، وكتاب التفرد والعزلة.

وكل هذه الرسائل لا تزال محفوظة لم تخرج للوجود، وهكذا لو عددنا لكل إمام من أئمة الدين كتبه المخطوطة التي لم تطبع لوجدناها أكثر مما طبع له، ولذلك فإن الذي تأهل لاستخراج هذه الكنوز الدفينة عليه مسئولية كبيرة جداً في إخراج تراث الأمة المهجور، لكنه للأسف الشديد اختلط الحابل بالنابل، وصار الطلاب يطلبون علم الحديث فحسب حتى يتمكنوا من التجارة، وإن شئت فقل: حتى يتمكنوا من أن يتاجروا بتراث البلد.

ولذلك تجد الكتاب الواحد له عدة طبعات ربما لا يصلح من هذه الطبعات طبعة واحدة، ولابد عند المقارنة أن تجد بين مجموع هذه الطبعات سقطاً وتحريفاً وتصحيفاً وإن شئت فقل: هزلاً؛ لأنه يريد أن يخرج الكتاب حتى يأخذ على الملزمة كيت وكيت، ويأخذ على الكتاب مبلغاً من المال، ثم لا يهمه بعد ذلك الكتاب أن يخرج مصحفاً أو غير مصحف، محرفاً أو غير محرف، المهم أنه أخرج الكتاب واستفاد أمرين: الأمر الأول: أنه وضع اسمه على صدر الكتاب، وفي هذا حق أدبي ومعنوي عظيم، وأنه يعرف بين الناس بأنه من أهل العلم وإن لم يكن في حقيقة الأمر كذلك.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، تجد الواحد لا علاقة له بالعلم، بل والله لا علاقة له بالصلاة، ولا عهدنا عليه مرة أنه حضر مجلس علم، ثم يأتي وبين يديه كتاب يريد أن تقرأه ثم تقرأه، أنت لا تعرفه ولا هو معروف بين أهل العلم، ثم تقول له: يا فلان! ما الذي دعاك لهذه العجلة، ألا يسعك أن تطلب العلم أولاً حتى يزكيك أهل العلم؟ فالاستعجال في هذا الأمر ليس أمراً محموداً، يقول: يا شيخ؛ ليس المهم هذا، إنما المهم أن تقرأ الكتاب، وإن كان فيه شيء فأرجو أن تنصحني.

ثم يدعي بعد ذلك أنه ما فعل هذا إلا لنفسه، وأن هذا الكتاب لا يخرج إلى الوجود قط، إنما هذا جهد وبحث في مسألة يريد أن يصل فيها إلى الحق، فإذا قرأت الكتاب وأثنيت عليه أو قلت له: هذا الكتاب جيد في بابه لكن يحتاج إلى تعديل في موطن كيت وكيت، ولا تتعد هذه الأماكن، ثم ما هي إلا أيام وترى الكتاب مطبوعاً مسبقاً.

عجباً! فقديماً سمعنا الشيخ الألباني عليه رحمة الله وهو من هواة العلم يقول: لو استقبلت من الأمر ما استدبرت لجمعت ما كتبت وأحرقت، مع أنه لو فعل ذلك لكان جديراً بالأمة أن تحفر الأخاديد ثم توقد على نفسها النيران، ومعنى ذلك: أنه ندم ندماً شديداً مع رسوخه في العلم أن قلمه تجرأ بالكتابة، تجد طالب العلم ما يريد إلا الحديث فقط؛ لأنه يعرف أن الحديث هو مادته للتجارة.

لكن الأعمال بالنيات، لئن أفلحت في الدنيا فلن تفلح في الآخرة، وافعل ما بدا لك؛ فإنك معروض على الله عز وجل.