وقال فخر الدين الفرغاني الحنفي في فتاويه: رجل كفر بلسانه طائعاً وقلبه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله مؤمناً.
يقول له: رجل تكلم بكلمة الكفر فهل يكفر بذلك؟ قال: هو كافر ظاهراً وباطناً، أي: كافر عند الناس وعند الله، وإن لم يعتقد كلمة الكفر بقلبه؛ لأن الأحكام في الدنيا تجري على الظاهر، والرجل ليس مجنوناً ولا سكران، وإنما أتى إلي وقال: أنا مرتد، أنا كافر، أو أنه سب الله، أو سب رسوله، أو سب الدين، أو سب الشرع، أو سجد لصنم، أو رمى المصحف في القاذورات، أو وطئه بقدمه، فهذه كلها أفعال مسلم، ومع أنها أفعال فهو يفعل ذلك ويقول: أنا مقر بأن هذا هو كتاب الله، وأنا أحب كلام الله، مع أنه مستمر في أثناء مدحه لكلام الله في وطء المصحف! والحقيقة في الامتحان العام الماضي في جامعة الأزهر أنا أعجبت بشهامة أحد الأساتذة، فقد حكم على طالب بالردة، وذلك أن هذا الطالب عندما ذهب إلى الحمام من أجل أن يخرج الربع الذي جاءه في الامتحان من المصحف، ويضعه في جيبه ويذهب يغش منه على عادة كثير من طلبة الأزهر، ثم لما شعر بأن المراقب يراقبه ألقى المصحف في الحمام وشغل السيفون من أجل أن يذهب المصحف مع المياه إلى المجاري، ومع هذا ضبط وانتزع المصحف من عين الحمام، ولا شك أن إدارة الأزهر إنما نظرت إلى القضية قضية غش في الامتحان، لكن أحد الأساتذة -فتح الله عليه- نظر إليها من منظور إيماني آخر وقال: هذه من مسائل الإجماع التي انعقد الإجماع على كفر فاعلها، وحكم على الطالب بالردة، وأثارت هذه القضية جدلاً عظيماً جداً حتى على صفحات الصحف في شهر خمسة الماضي، وانتصر هذا الأستاذ على بقية أساتذة الأزهر الذين نظروا نظرة إدارية إلى هذه المقولة التي ذكرناها: أن هذه من مسائل الإجماع، وقال لهم: أنا أين أذهب بالإجماع؟! وقال لهم: هذا استهزاء بكتاب الله، وهذا الإجماع على كفر من فعل ذلك.