للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بأن الله كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه]

وأولى هذه المسائل أو الأبواب: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإيمان بأن الله عز وجل كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه] أي: اعتقاد أن الله عز وجل كتب المعصية على آدم قبل أن يخلقه، ومعصية آدم كانت الأكل من الشجرة، وقد نهاه الله عز وجل عن الأكل منها، لكن الشيطان سول له أن هذه شجرة الخلد، وأنه إذا أكل منها فإنه سيخلد ولا يموت أبداً، فانصاع آدم لكلام اللعين إبليس عليه لعنة الله، فأكل من الشجرة، فكان ما كان بعد الأكل أن طرد من الجنة وكثرت ذريته وانتشر نسله في الأرض.

والراجح أن هذه الجنة التي طرد منها آدم كانت في السماء ولم تكن في الأرض، وقد جاءت بذلك بعض النصوص، ومن رد ذلك فهو من الفرق الهالكة، أي: من قال: إن الله لم يكتب المعصية على آدم قبل أن يخلقه فهو من الفرق الهالكة والضالة، وكما تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، أي: من كان على الهدي النبوي وعلى سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين.

ولا يلزم من قولنا أن هذه الفرق ضالة وأنها في النار أنها مخلدة؛ لأنه لا يخلد في النار إلا الكفار والمنافقون، والدليل على أن هذه الفرق رغم ضلالها وهلاكها إلا أنها ليست كافرة ولا تخلد في نار جهنم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وستفترق أمتي)، فسماهم من الأمة، ومفاد البحث في هذا الحديث أو في هذه الجزئية من الحديث أن الأمة الإسلامية ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى وغير واحد ممن تعرض لشرح هذا الحديث أن هذه الفرق كلها قد ظهرت في الأمة، والخوارج أول الفرق ظهوراً حتى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل: ذلك الرجل الذي يدعى بـ ذي الخويصرة التميمي: (لما أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا محمد! أعطني من مال الله لا من مالك ولا مال أبيك، فلما أعطاه النبي عليه الصلاة والسلام قال: والله ما أريد بهذه القسمة وجه الله، فقال النبي: ويحك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! فلما ولى مدبراً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: سيخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)، فانظر إلى أوصاف أهل البدع، فتجد أنهم يجتهدون جداً في العبادة، وهذا هو الذي يغر العامة؛ فيرى رجلاً من أهل البدع يصلي ويصوم أكثر منه، ويقرأ القرآن باستمرار لا يمل ولا يتعب، فيغتر به فيقول: هذا رجل من أهل الصلاح، لكن لا يعلم أنه من أهل البدع إلا أهل العلم، ولذلك العلم نور وبصيرة، وقوله في الحديث: (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)، أي: أن القراءة من اللسان والفم ولا علاقة لها بالقلب، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخوارج كلاب النار)، وغير ذلك من الوعيد الذي ورد فيهم.

ثم ظهرت بعدهم -بعد الخوارج- القدرية الذين أنكروا القدر، وقالوا: إن الأمر أنف، وأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، فنفوا العلم الأزلي لله عز وجل، كما نفوا الكتابة في اللوح المحفوظ وغير ذلك.

وبلا شك أن غلاة الفرق كفار خارجون عن الملة، وفي بعض فروع هذه الفرق فرق أخرى، فتجد أن القدرية انقسموا إلى أقسام كثيرة، وتجد الشيعة أو الرافضة انقسموا إلى أكثر من عشرين فرقة داخلية، فيندرجون تحت فرقة واحدة وهي الشيعة أو التشيع، لكنهم انقسموا فيما بعد على أنفسهم، وكل انقسام أخذ فرقاً داخلية في داخل الفرقة الواحدة، ومن هذه الفرق الفرعية ما أتى بأقوال تنقض الإيمان والإسلام والتوحيد من أساسه، وبلا شك لو وجدنا أن في بعض الفرق من يقول: الله تعالى رجل جميل المنظر! أن هذا القول كفر بواح، ومن قال به أو اعتقده فقد كفر بالله عز وجل؛ لأنه ليس له مثيل ولا شبيه ولا كفء ولا ند: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فالذي يقول: إن الله تعالى على صورة الرجل، أو أنه رجل جميل المنظر غير أنه مجوف أو مصمت -هكذا قالوا- فهو كفر، ولولا أن الله حكى مقالة الكافرين في الكتاب ما جرؤت أن أحكي مقالة هؤلاء، ولكن اقتداء بالقرآن الكريم لما حكا الله تعالى أقوال الكافرين جوز لنا أن نحكي أقوال الكافرين كذلك.

قال: [الباب الأول: الإيمان بأن الله عز وجل كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه، فمن رد ذلك فهو من الفرق الهالكة].