[مجالسة أصحاب الكلام والخصومات سبيل إلى إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة]
قال:[وعن أحمد بن جناب قال: سمعت عيسى بن يونس وقد سأله رجل عن الحور العين، فغضب غضباً شديداً وقال: مالكم ومجالسة أصحاب الكلام والخصومات، لقد شهدت من رجل -قد سماه- مجلساً وألجأه قومه إلى الكلام حتى قال: ما خلق الله جنة ولا ناراً، وددت أني ما شهدته].
يعني: أن هذا الرجل كان على الاستقامة، ولكنه أذن لنفسه أن يجالس، وأن يماحل، وأن يخاصم أهل البدع وليس أهلاً لهذا، فجره ذلك إلى أن أنكر أن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار، وهذا دائماً مصير من تصدى لأهل البدع بالكلام دون أن يؤهل لذلك، ولذلك حذرنا علماء السلف من مخاصمات ومجادلات أهل البدع، مع أنهم هم قد تصدوا للمناظرة والمجادلة والخصومة، بل والتأصيل للرد على أهل البدع؛ وذلك لأنهم تأهلوا لذلك، ولا أدل على هذا الفعل من أن عمر رضي الله عنه أخذ صحيفة بعد إسلامه من صحف أهل الكتاب، فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام في يده غضب غضباً شديداً، وقال:(أمتهوكون أنتم يا ابن الخطاب!)، أي: أمتنطعون، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فلم يُر عمر بعد ذلك آخذاً بصحيفة من صحف أهل الكتاب حتى صار إماماً كبيراً من أئمة الدين، وخليفة من خلفاء المسلمين، فتصدى لأهل البدع تارة بالضرب، وتارة بالإقناع والمناظرة؛ لأنه صار أهلاً، وأما في أول إسلامه فلم يتأهل لذلك بعد، ولم يطلب العلم بعد، وهذه الحادثة -حادثة الإنكار عليه- مكية، وحادثة التصدي لأهل البدع كلها حوادث مدنية، وهذا يدل على أن عمر لما تأهل عرف أنه يجوز له ذلك دون الحالة الأولى.
ونحن نجد كثيراً من الشباب الذي لا يحسن أصول الإيمان والإسلام؛ يتصدى لأهل البدع بالمناظرة والمجادلة وغير ذلك، وسرعان ما ينقلب فيتبنى رأي الخصم، يعني: يشرب البدعة شرباً في قلبه، ويدافع عنها ويتبناها، ويعمل لأجلها، وربما مات على ذلك، والسبب أنه خالف نصيحة السلف رضي الله عنهم في كراهة التصدي لهؤلاء قبل التأهل.