للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (إنني معكما أسمع وأرى)، وقوله: (إنا معكم مستمعون)]

المسألة السابعة عشرة: قول الله تعالى لموسى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦].

وقال في موضع آخر: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:١٥]، فقالوا: كيف قال: ((إِنَّنِي مَعَكُمَا) وقال: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}؟ فشكوا في القرآن لأجل ذلك.

قال الإمام: أما قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:١٥]، فهذا من مجاز اللغة، يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، بصيغة الجمع، فيحمل على التعظيم، ومثله: قول الرجل للآخر: نحن نحبك في الله، وهو واحد، وإنما يقصد بذلك التعظيم.

وأما قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، فكذلك جائز في اللغة، يقول الرجل الواحد للرجل: سأجري لك رزقك، أو سأفعل بك كذا وكذا.

هذه المسائل التي اختارها الإمام للرد على الزنادقة، وأما رده على الجهمية فهو رد طويل لا داعي له الآن، خاصة وأن الإمام يدخل في قضية خلق القرآن.

لكن الإمام هنا يقول: إذا سمع الجاهل قول هؤلاء الزنادقة؛ يظن أنهم من أشد الناس تعظيماً لله.

وهذا دائماً مذهبهم، حتى يكسبوك للجهمية، وهم في الحقيقة معطلة ونفاة، إذ إنهم يقولون: نحن لا نثبت لله وجهاً ولا عيناً ولا يداً ولا ساقاً؛ لأننا لو أثبتنا نكون بذلك قد شبهنا الخالق بالمخلوق، فنحن ننزه الخالق عن مشابهته المخلوقين.

فهم الآن عطلوا الله تبارك وتعالى عن صفاته تحت ما يسمونه بالتنزيه، أي: نزهوا المولى عز وجل أن يشابه مخلوقاته؛ فوقعوا في شر من ذلك وهو التعطيل.

ومثلهم الأشاعرة ومن معهم من المتأولين، فقد أولوا الصفات.

أما الفريق الذي يقابلهم فهم الممثلة والمشبهة الذين يقولون: يد الله تعالى كأيدينا، ووجه الله تعالى كوجوهنا، وساق الله تعالى كسوقنا؛ حتى شبهوا الخالق بالمخلوق، لكنهم تأدبوا شيئاً ما، فقالوا: الله تعالى أفضل وأجمل ما يكون في المخلوق؛ فجعلوا الله تبارك وتعالى رجلاً جميلاً؛ لأنهم أثبتوا هذه الصفات على الحقيقة.

وأهل السنة والجماعة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فقالوا: نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الصفات والأسماء، لكننا نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام، لكن على وجه لا يليق قط أن يكون بالمخلوقين، بل يليق بجلال الله تعالى وكماله وعظمته.

يقول الإمام: فإذا سمع الجاهل قوله؛ يظن أنه من أشد الناس تعظيماً لله، ولا يعلم أنه إنما يعود قوله إلى ضلالة وكفر، ولا يشعر أنهم لا يقولون قولهم إلا فرية في الله عز وجل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.