للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن وترتيب الفرائض وإثبات أن الإيمان قول وعمل]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: فمع الجزء الخامس من كتاب (الإبانة) وهو جزء جديد وباب جديد يتعلق بالإيمان والإسلام، وقواعد الإيمان والإسلام وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالإيمان والكفر، وهو تقريباً سيكون أهم باب في هذا الكتاب، وما تقدم يعتبر كالمدخل لهذا الموضوع.

قال المؤلف رحمه الله: [الجزء الخامس من كتاب (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة) وهو الأول من الإيمان] يعني: هذا أول الكلام فيما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر.

قال: [وفيه ثمانية أبواب: الأول: باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن، وترتيب الفرائض وأن الإيمان قول وعمل.

الثاني: باب معرفة اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية.

الثالث: باب معرفة الإسلام وعلى كم بني.

الرابع: باب معرفة الإسلام والإيمان، وسؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

الخامس: باب فضائل الإيمان وعلى كم شعبة هو، وأخلاق المؤمنين وصفاتهم.

السادس: باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.

السابع: باب ذكر الأفعال والأقوال التي تورث النفاق، وعلامات المنافقين.

الثامن: باب ذكر الذنوب التي من ارتكبها فارق الإيمان، فإن تاب راجعه] أي: رجع إليه الإيمان.

ثم يتكلم ابن بطة عليه رحمة الله في مقدمته لمعرفة أصول هذا الكلام، أي: أصول هذه الأبواب فيقول: [بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن بعونك، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الذي هو ربنا وبه نستعين، وإياه نسأل أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، الذي أنعم عليهم بهدى القرآن فاتبعوه واهتدوا، ومنَّ عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبسنته فسلكوا سبيله واقتدوا، متبعين غير مبتدعين، ومذعنين غير طاعنين، وموقنين غير شاكين ولا مرتابين، وهادين بدعوته غير ضالين ولا مضلين.

فسلموا عاجلاً -أي: في الدنيا- من السخط والشك والارتياب، واستحقوا آجلاً -أي: في الآخرة- الرضا وجزيل الثواب، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

وصلى الله على من ختم به الرسالة، وأكمل به الحجة، وأوضح به المحجة، وأرسله إلى جميع عباده كافة على فترة من الرسل، ودروس من العلم -أي: وذهاب للعلم- فأنقذ به من عباده من سبقت له الرحمة في كتابه، ففتح أبواب السماء برحمته، وجعله الداعي إلى الحق، والهادي إلى الرشد، والقائم بالدين، ذاك -والله- محمد المصطفى، ونبي الله المرتضى، خير خلقه نفساً، وأكرمهم طبعاً، وأطهرهم قلباً، وأصدقهم قولاً، وأكملهم عقلاً، وأشرفهم خلقاً، النبي الأمين الزكي المرضي، فدعا الناس إلى الإقرار بتوحيد الله ومعرفته، والبراءة من الأضداد والأنداد، وأن محمداً رسوله الصادق، من اتبعه اهتدى فنجا، ومن خالفه هلك وغوى، جعلنا الله وإياكم ممن سبقت له الحسنى، فعُصم من متابعة الهوى، وموافقة أهل الزيغ والردى، ووفقنا وإياكم لاتباع الكتاب والسنة اللذين الدين فيهما مشروع -أي: لا يشرع شيء في الدين إلا من خلال الكتاب والسنة-، والحكم فيهما مجموع، وخير العاجلة والآجلة فيهما موضوع، قد قطع بهما عذر كل معتل، وسد بهما فاقة كل مختل، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

أما بعد: وفقكم الله! فإني مبين لكم شرائع الإيمان التي أكمل الله بها الدين، وسماكم بها المؤمنين، وجعلكم إخوة عليها متعاونين، وميز المؤمنين بها من المبتدعين المرجئة الضالين، الذين زعموا أن الإيمان قول بلا عمل، ومعرفة من غير حركة].

يتكلم رحمه الله في هذه المقدمة بكلام صريح في نبذ عقائد الفرق الضالة، وتثبيت وتأييد عقيدة الفرقة الناجية، فقال: [وميز المؤمنين من المبتدعين المرجئة الضالين الذين زعموا -وهذا أصل اعتقاد المرجئة، ماذا زعموا؟ - زعموا أن الإيمان قول بلا عمل، ومعرفة من غير حركة] أي: إقرار بالقلب من غير عمل.

ثم قال: [فإن الله عز وجل قد كذبهم في كتابه وسنة نبيه وإجماع العقلاء والعلماء من عباده] أي: أن الله تعالى كذبهم في كتابه، ورسوله عليه الصلاة والسلام كذبهم في سنته، وإجماع العلماء على بطلان عقائد المرجئة، ولكنه يتكلم كلاماً مجملاً هنا؛ لأن التفصيل سيأتي معنا في أثناء الكتاب.

ثم قال: [فتدبروا ذلك وتفهموا ما فيه، وتبينوا علله ومعانيه، فاعلموا رحمكم الله أن الإيمان إنما هو نظام اعتقادات صحيحة].

يعني: الإيمان كالعقد الذي له حلقات مسلسلة.

ثم يقول: [بأقوال صادقة، وأعمال صالحة، بنياتٍ خالصة، بسنن عادلة، وأخلاق فاضلة، جمع الله فيها لعباده مصالح دنياهم وآخرتهم، ومراشد عاجلهم وآجلهم].

يعني: هذا هو مضمون الإ