إذاً: لو خالفت الأمر أو ارتكبت النهي تستحق دخول النار، والأكثر من ذلك أيها الإخوة! أننا مهما عبدنا الله لا نستحق الجنة، إذ إن دخول الجنة بفضل الله تعالى ورحمته، إلا أنه سبحانه جعل العمل سبباً لدخول الجنة، أما أن العمل يكافئ الجنة ويوازيها ويساويها فلا والله، ولذلك أخرج الحاكم في المستدرك من حديث أنس:(أن رجلاً عبد الله ستمائة عام)، تصور شخصاً قائماً صائماً لله تعالى ستمائة سنة، قال:(فقال الله تعالى لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: يا رب! بعملي، قال: زنوا عمل عبدي ونعمي عليه)، انظروا إلى الاختبار والابتلاء، أي: ضعوا عمله في كفة، وضعوا نعمي عليه في كفة أخرى، واعلم أن هذا الكلام ليس له علاقة بالجنة والنار، فالآن نحن سنضع النعم في كفة والعمل في كفة، فإذا غلبت النعم فعملك ليس بنافع، وإذا غلب العمل -ومحال أن يغلب العمل- فلا أقل من أننا نقول لك: شكراً لك، لكن أنعمنا عليك وأنت عملت، ليس لك لا جنة ولا نار، فيكون مثلك مثل الأعراف، أليس كذلك؟ لأنه لن يكون إلا ذلك.
قال:(فوضعت الملائكة نعمة واحدة؛ نعمة البصر في كفة، ووضعوا عمل ستمائة سنة في كفة، فطاش العمل -أي: ثقلت به كفة النعمة الواحدة- فقال الله تعالى: أدخلوا عبدي النار)؛ لأن عمله لم ينقذه، وهذه نعمة واحدة:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[إبراهيم:٣٤]، فكيف إذا كانت نعماً كثيرة؟! قال:(فقال الله: أدخلوا عبدي النار، قال: يا رب! أدخلني الجنة برحمتك)، لماذا لم يكن هذا الكلام أولاً؟